صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/72

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-- قمحي في لونه ، عصبى دموى فى مزاجه ، عظيم الرأس في اعتدال، عريض الجبهة ، عظیم في تناسب ، واسع العينين ، الأحداق ، ضخم الوجنات ، رحب الصدر ، جليل المنظر ، هش بش عند اللقاء ، قد وفّاه الله من كمال خلقه ما ينطق على کمال خُلقه (۱) فهم رسالته وما تتطلب من جهاد ، وما تقتضيه من أعباء ، فلم يرتبط بأسرة ، ولم يستعبده مال ، وعاش لأفكاره ومبادئه ، تكفيه أكلة واحدة في اليوم كله ، وإن أفرط في الشاى والتدخين . أعد نفسه للنقى في كل لحظة ؛ فنافيه لا يتعبه إلا شخصه . ملابسه على جسمه ، وكتبه فى صدره ، وما يشغله في رأسه ، وآلامه في قلبه .. ولقد طوف فى فارس والهند والحجاز والآستانة ، وأقام فيها . ولكن لعل أخصب زمنه ، وأنفع أيامه ، وأصلح غرسه ، ما كان في مصر مدة إقامته بها من أول محرم سنة ١٣٨٨ إلى سنة ۱۲۹٦ هـ ) مارس سنة ۱۸۷۱ - أغسطس سنة ١٨٧٩ ) . ثمانى سنين كانت من خير السنين بركة على مصر، وعلى العالم الشرقي ، لا بما أفاد من جمال مظهرها وحسن رونقها وسعادة أهلها ، ولكن لأنه فيها كان يدفن فى الأرض بذوراً تتهيأ في الخفاء للنماء ، وتستعد للظهور ثم الإزهار، فما أتى بعدها من تعشق للحرية وجهاد في سبيلها فهذا أصلها ، وإن وجدت بجانبها عوامل أخرى ساعدت عليها وزادت فى نموها . لقد جرب « السيد » أن يبذر بذوراً في فارس والآستانة فلم تنبت ، ثم جربها في مصر فأنبتت . كان من حسنات رياض باشا أن أعجب « بالسيد » ورأى فيه عالما لا من طراز من عرف من العلماء ، يعرف الدين ويعرف الدنيا ، ويجيد الفهم ويجيد القول ، (1) من وصف الشيخ محمد عبده له .