صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/76

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-97- فاطمأن به واهتدت نفسه إليه ؟ هو ما عند جمال الدين من أصول كلية هي عماد الفلسفة ، يرجع إليها فى كل ما يقرأ من صفحات الكتب ، وهي المحكم في صحة ما يصح ، وبطلان ما يبطل ، ثم شخصية قوية تجزم في الحكم ولا تتردد تردد الشيخ حسن الطويل ، ثم ربط جزئيات الحياة العلمية والعملية كلها برباط واحد يفتح النوافذ بعضها على بعض حتى تتألف منها وحدة ؛ فالتصوف ، والفلسفة ، والدنيا العامة ، ودنيا الشخص ، هذه كلها لا يصح أن يكون كل منها حجرة مغلقة على نفسها ، بل لا بد أن تتقابل وتتناغم ، وتؤلف دوراً موسيقياً واحداً ، فإذا تم هذا صح نظر الإنسان وزال عنه كثير من الشك المؤلم والحيرة المضنية ، وبت (۱) فيما ينفع وما يضر ، وما يعمل وما يدع ، ووضحت أمامه الأعلام ، واستنارت السبل ؛ أما جملة تصح وجملة لا تصح ، ومؤلف أخطأ ومؤلف أصاب ، ومنطق فى الكتاب ولا منطق فى العمل ، ونظرية فى التصوف تنقضها نظرية في الحكمة ، وأقوال في الزهد يسلّم بها فى حينها ، وأقوال في الحث على الانغماس في الحياة يسلّم بها في حينها أيضاً ، فهذه كلها نظرة البدائيين الذين لا يستطيعون أن ينظروا إلا إلى السطح دون الأعماق ، والأعراض دون الجوهر ، والأشكال دون الحقيقة . وفوق هذا كله كان يأخذ بيد تلاميذه فيرفعهم إلى مستوى يسيطرون فيه على الكتاب ، ولا يستعبدهم الكتاب ، ويسمون عن قيود الألفاظ والجمل إلى معرفة الحقيقة في ذاتها ، ولو خالفت الألفاظ والجمل وكانت طريقته فى التدريس عكس طريقة الشيخ محمد عبده . كان جمال الدين يحدد موضوع الدرس فقط من الكتاب ، ثم يفيض في شرح الموضوع من عنده حتى يحيط به من جميع أطرافه ، وبعد ذلك يقرأ نص الكتاب فإذا هو واضح ظاهر بين فيه موضع الخطأ والصواب . أما الشيخ محمد عبده ، فكان (۱) بت : أمضى الحكم .