صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/81

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- ۷۱ - الأحاديث رحمه الله قليل الاحتفال بالأكل ، قليل النوم ، كثير السير قوى الشهوة للكلام تواتيه المعانى ويطاوعه اللسان، فكان يجد مادة الكلام في كل شيء : في السجارة » يشملها ، وفى أى منظر يراه ، وفى الطفل يسأله فيجيب أو لا يجيب ، وفي حادثة زواج أو حادثة طلاق . وهكذا يستطيع أن يخلق أمتع الحديث من الشيء العظيم والشيء التافه ومن لا شيء . وكانت مصر - محمد الله ملأى بالأحداث فى هذا الزمان ، فكانت تغنيه أحداثها العظام عن خلق المرتجلة ، وكان له القدرة على أن يلهب مستمعه ، فلا يزال يروح على الفحم حتى يلهبه ، فإذا جليسه يرى بعد الجلسة راحته في السير لا في الركوب ، وفي العمل لا في السكون ، كأنه يريد أن يُجاوب جسمه قلبه ، ويناغم (۱) عمله نفسه . وكان له مذهب فى الكلام يتفق وشهوته ؛ وهو أن يحدث من يفهم ومن لا يفهم ، ومن يستعد ومن لا يستعد ، كالسحاب ينزل الغيث فتنتفع به الأرض الصالحة وتسوء به الأرض الفاسدة، ولا عيب على السحاب . يقول الشيخ محمد عبده في هذا : «كان السيد جمال الدين يلقى الحكمة لمريدها وغير مريدها ، ومن خواصه أنه يجذب مخاطبه إلى ما يريد ، وإن لم يكن من أهله، وكنت أحسده على ذلك ، لأننى تؤثر فى حالة المجلس والوقت ، فلا تتوجه نفسى للكلام إلا إذا رأيت له محلا قابلا واستعداداً ظاهراً » . وهذا هو السر فى وجود مدرسة فى مصر عجيبة تحسن السمر والحديث ، وتشقيق الكلام وحسن الاستطراد ، وتأخذ على السامع لبه ، من أمثال محمد عبده ، وسعد زغلول ، والهلباوى ، ولطفى السيد ، وكلهم من تلاميذه في هذا الباب . (۲) قال سليم بك المنحورى : كان من ديدن (1) جمال الدين » أن يقطع (1) يناغمه : أي يساوقه في نغمته . (۲) الديدن : العادة