صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/9

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

مقدمة

بلغ العالم الإسلامي في القرون الأربعـة الأولى شأواً بعيداً في الخلق والعلم والحضارة ، حتى كاد يكون سيد العالم في هذا كله ، في حربه وسلمه قوى متين ، وعلمه قد استوعب ما عند الأمم الأخرى من هند وفرس ويونان وروم ، وهضمه كله ، ومزجه مزجاً جميلاً ، وبنى عليه ، وابتكر فيه ، وحضارته كانت خير الحضارات ، تزدهر مدنه كبغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وقرطبة بشتى ألوان الحضارة ، من علم وفن وعمارة وتجارة وصناعة ، حتى كان يرحل إليها جميعاً للأخذ عنها والاقتباس منها ؛ هذا إلى حرية في العقيدة وحرية في القول والعمل ، وهي حرية قلما كان يتمتع بها غيرهم من الأمم ، وكان ينعم بها كل من استظل بظلهم من نصارى ويهود ومجوس . على حين كان يشقى في الشعوب الأخرى كل من خالف دينها واعتقد غير عقيدتها .

ثم بدأت فيه عوامل الضعف بعد ذلك ، وتوالت عليه الكوارث ، وتتابعت عليه الخطوب ، وكلما مر عليه زمن زاد ضعفه وبدا هزاله . وكان أول ذلك ما دهمه من قبائل الترك الرحالة ، وكانوا إذ ذاك معروفين بالغلظة والجفوة ، لا يحسنون إلا القتال من غير رحمة ، والفتك من غير روية ، لا علم ولا حضـارة ولا معرفة بأساليب الحكم وقوانين السياسة . ومكن لهم الخلفاء لحاجتهم إليهم ، حتى كانوا السيد المطاع والحاكم المستبد . وسرعان ما دخلوا في الإسلام ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، فلم يؤاخوا المسلمين بل استعبدوهم ، ولم يرحموهم ، بل نكلوا بهم ، ولم يؤسسوا علما ولا حضارة ، بل قضوا على العلم والحضارة . وجاءت الحروب الصليبية فاكتسحت آسية الصغرى واستولت على بيت