مائة والألف للميلاد من أبوين فقيرين جدًّا لم يمكنهما أنْ يعلماهُ في مدرسة ويشهد بذلك ما قالهُ بعدئذٍ وهو «ليس لي كتب سوى كتابي السماءِ والأرض اللذين يشترك فيهما الجميع». وكان أبوهُ زجاجاً (صانع الزجاج) على ما يُظَن فتعلم صناعتهُ وزاد عليها علم تلوين الزجاج وعلم الرسم والقراءة والكتابة. ولما بلغ الثامنة عشرة كسدت صناعة الزجاج فاضطرَّ أنْ يترك بيت أبيهِ ويحمل وطابهُ ويسعى في طلب رزقهِ من مكان آخر. فسار نحو غسكوني وكان يعمل في صناعتهِ حيثما وجد عملًا وأحياناً كان يعمل في مساحة الأراضي. وجال مدة طويلة في فرنسا وهولندا وألمانيا. ودام على ذلك نحو عشر سنين ثم رجع إلى وطنهِ وتزوج واستقرَّ في مدينة سنت وأخذ يعمل في تلوين الزجاج ومساحة الأراضي ولم يمضِ عليه وقت طويل حتى عال وزادت نفقاتهُ فأخذ يُعمِل فكرتهُ في إيجاد وسيلة لتكثير دخله فلم يجد أفضل من دهان الخزف وتلوينه إذا استطاع إليهِ سبيلًا وكان يجهل هذه الصناعة كلَّ الجهل حتى إنهُ لم يكن يعرف كيفية جبل الطين فلذلك اضطر أنْ يتعلم كلَّ شيءِ بلا معلم ولكن علوَّ همته وشدة أملهِ هوَّنا عليه كلَّ أمر عسير.
روى بعضهم أنَّ بالسي رأى ذات يوم كأساً إيطالية بديعة (ولعلها من عمل لوقا المتقدم ذكرهُ) فأعجبهُ منظرها ورغب في تمثيلها رغبةً شديدة. ولا يبعد أنَّ ألوفًا من الناس قد رأوا تلك الكأس فلم تؤثر رؤيتها فيهم كما أثرت فيهِ وما ذلك إلَّا لأنهُ كان مهتمًا حينئذ بإبدال صناعتهِ بصناعة أخرى. ولو كان عزباً لترك وطنهُ وذهب إلى إيطاليا وتعلَّم سرَّ صناعتها ولكنه كان مقيَّدًا بزوجة وأولاد. فاستحضر جميع العقاقير التي ظنَّ أنها تسيل على الخزف فتدهنهُ كدهان الكأس التي رآها واشترى آنية خزف وكسَّرها كسراً صغيرة ورشَّ عليها من تلك العقاقير وبنى لها أتوناً وشواها فيهِ مدةً من الزمان فلم يذب