الدهان عليها بل كانت النتيجة تكسير الآنية وإضاعة الحطب والعقاقير والوقت والتعب. ومن المعلوم أنَّ النساء اللواتي لا يهمهنَّ إلَّا تحصيل الدراهم لاشتراء القوت والكسوة لأولادهنَّ لا يعبأنَ بالامتحانات العلميَّة وكانت امرأة بالسي كذلك فلم تسلِّم لهُ باشتراء آنية أخرى زاعمة أنها إنما تُشتَري لتُكسَّر فقام بينهما الخصام ولكن لمَّا رأتهُ مشغوفاً في التفتيش عن هذه الصناعة التي أخذت منهُ كل مأخذ تركتهُ إلى هواهُ فبنى أتونًا آخر وأتلف فيهِ مقداراً وافراً من الوقود والعقاقير والآنية وبعد تجارب كثيرة يطول شرحها دهمهُ الفقر الشديد. ومما قالهُ في صدد ذلك «إنني عكفت سنوات على التفتيش عن المينا بحزن وتنهُّد». وكان عندما تسمح لهُ الفرصة يعود إلى حرفتهِ الأولى أي تلوين الزجاج ورسم الصور ومساحة الأراضي غير أنَّ ما يربحهُ منها كان يسيراً جدّاً. وأخيراً عجز عن الامتحان في أتونهِ بسبب غلاء الوقود فاشترى مقداراً كبيرا من الآنية المكسَّرة وكسَّرها نحو أربع مائة شقفة ودهنها بمواد كيماوية مختلفة ومضى بها إلى معمل خزف يبعد عن سنت نحو غلوة ونصف وشواها فيهِ ولما تمَّ الشواءُ وجدها كما كانت. فصمَّم من ساعته على إعادة التجارب من جديد.
قلنا إنهُ كان خبيراً بفن المساحة ففي ذلك الوقت صدر أمر الدولة بمسح الممالح التي في جوار سنت فعينتهُ لذلك فكسب ما مكنه من مراجعة امتحاناتهِ. فاشترى نحو ثلاثين إناءً وكسَّرها شقفاً صغاراً ودهنها بمواد مختلفة وشواها في أتون زجاج بالقرب من سنت فذاب بعض هذه المواد من حرارة الأتون وانفتح أمامهُ باب الأمل إلَّا أنَّ الدهان الأبيض كان لم يزل محجوباً عنهُ فلبث سنتين أُخريين يمتحن ويجرِّب على غير فائدة إلى أنْ نفد كلُّ ما كسبهُ من مساحة الممالح. فعزم على أنْ يمتحن الامتحان الأخير فكسر مقداراً وكبيراً من الآنية نحو ثلاث مئة شقفة ودهنها بالمواد المختلفة وشواها في أتون الزجاج ولمَّا