الفصل الخامس
في الفُرص ومعدَّات النجاح
قال الفيلسوف باكون. لا يقدر العقل ولا اليد أنْ يفعلاً كثيراً إذا تُركا وحدهما ولا يتم عمل إلَّا بأدوات ومعونات يحتاج إليها العقل كما تحتاج إليها اليد.
وقيل في اللاتينية. إنَّ الفرصة عجوز شمطاء قد تناثر شعر قَذَالها وتكاثر شعر ناصيتها فإن ابتدرتها من قبل مَسَكتَها وإذا تركتها حتى جاوزتك لم تقدر على مسكها أنت ولا زفس نفسه.
فِعْل الصدفة في الأعمال العظيمة طفيف جدًّا والسبيل الأكيد للنجاح إنما هو الاجتهاد والثبات. وأكثر ما يُنْسَب إلى الصدف أو ما يقال عنه أنهُ رمية من غير رامٍ إنما هو نتيجة مزاولة طويلة. يُحْكَى أنَّ المصوِّر ولسن كان إذا صوَّر صورة يبعد عنها قليلًا ويضع قلماً في رأس عصاً طويلة ويحدق بنظره إلى الصورة ثم يلمسها برأس القلم لمسات قليلة فتزيد جمالًا ورونقاً. ولكن ما كلُّ مَنْ وضع قلماً في رأس عصاً يقدر أنْ يفعل كما فعل ولسن لأن ولسن لم يبلغ هذا المبلغ إلا بعد المزاولة الطويلة فمن حاول ذلك ولم يكن متمرناً كان خطأهُ أكثر من صوابهِ.
والانتباه الشديد والاجتهاد الدائم صفتان لازمتان للعامل الحقيقي. والرجال العظام لا يغفلون عن أمرٍ مهما كان صغيراً ولا يملون من التعب والمزاولة. حُكِي أنَّ الشهير ميخائيل أنجلو كان مرة يبيِّن لأحد أصدقائهِ ما فعلهُ في تمثال كان أمامهُ بعد زيارة ذلك الصديق لهُ فقال إنني قد رفعتُ هذا الجزء وخفضتُ ذاك ودققت هذا وغلَّظْتُ ذاك. فقال صديقهُ ولكن ذلك أمر طفيف جدًّا. فقال لعلك مصيب في ما قلت