ولكن اعلمْ أنَّ الكمال مجموع أمور طفيفة. ويُرْوَى أنَّ المصور نقولا بوسن جعل دستوراً لأعمالهِ أن كل ما يستحق أن يُعْمَل يجب أنْ يُعْمَل جيداً. وقيل إنهُ بعد أنْ تقدَّم في السن سألهُ ده مرڤيل بم حصَّلتَ هذا الاسم العظيم بين مصوري إيطاليا فأجابهُ على الفور بعدم إهمالي شيئاً
ومن الاكتشافات ما ينسب إلى الصدفة ولكننا إذا أمعنا النظر وجدنا أنهُ قلَّما يوجد فيها ما يستحق أنْ يُنسَب إلى الصدفة. ويمكننا أنْ نقول إنَّ ما يُدعَى صدفة ليس إلا فرصة مناسبة انتهزها أولو الدراية. ومن هذه الاكتشافات التي يتسبها البعض إلى الصدفة سقوط التفاحة أمام نيوتن. ولكن ألا يعلم هؤلاء أنَّ عقل نيوتن كان مشتغلًا منذ سنين عديدة في البحث عن سبب الثقل وكان سقوط التفاحة وسيلةً لتوجيهِ أفكارهِ إلى حقيقة هذا الموضوع. ومن ظن أنَّ فقاقيع الصابون تقود الفيلسوف يَنع لاكتشافه المتعلق بانحلال النور. والمتعارف أنَّ الرجال العظام لا يلتفتون إلَّا إلى الأمور العظيمة ولكن ذلك ليس بسديد لأن نيوتن وينغ كانا يلتفتان إلى الأمور الصغيرة كما يلتفتان إلى الكبيرة وهما من أعظم رجال الدنيا
إنَّ من أكبر علل التفضيل بين الناس عدم تساويهم في الانتباه. قال المثل المسكوبي «إنَّ عديم الانتباه يطوف الغابات ولا يرى فيها خشباً يصلح للوقود» وقال الجامعة: «الحكيم عيناهُ في رأسهِ أما الجاهل فيسلك في الظلام» وقال السر جونسن لظريف عند رجوعهِ من إيطاليا «قد يستفيد البعض من مرسح همستد أكثر مما يستفيد غيرهم من السياحة في كلِّ أوربا» وحيث لا يرى الجهال شيئاً يرى العقلاءُ أموراً كثيرة ويخترق نظرهم ما أمامهم من الحوادث فيرون ما بينها من المشابهة والمخالفة ويقيسونٍ بعضها على بعض ويعرفون أسبابها. مثال ذلك إنَّ كثيرين رأوا جسماً معلقاً بحبل يتحرك إلى الأمام والوراءِ ولكن ما منهم