ونتجت النتائج العظيمة من المبادئ الطفيفة بل إنَّ سرَّ تقدم العلوم والفنون والصنائع والحرف هو ملاحظة الأمور الدقيقة الطفيفة. وما العلوم إلا مجموع ملاحظات الأجيال السالفة والحاضرة واختباراتها وقد جمعت حتى صار منها بناءٌ فحم كالأهرام مع أنَّ كثيراً منها بانَ في أول الأمر طفيفاً لا طائل تحتهُ وربما بقي زماناً طويلًا من غير أنْ تنتج منهُ فائدة. ألا ترى أنَّ علم القطوع المخروطية الذي وضعهُ أبولونيوس برجيوس بقي أكثر من عشرين قرناً قبل أنْ استُخدم لشيءِ أما استخدامهُ فكان في علم الفلك الذي لا ينكر أحدٌ فائدتهُ في أمور كثيرة ولاسيما في سلك البحار. ولو لم يشتغل الرياضيون قروناً عديدة ليعرفوا نسبة الخطوط والسطوح بعضها إلى بعض ما تمت كلُّ الاختراعات الميكانيكية التي نراها في هذا العصر.
قيل إنه لما اكتشف فرنكلين وحدة البرق والكهربائية قال لهُ البعض ازدراءً ما منفعة هذا الاكتشاف فأجاب إنهُ سيشب كما يشب الطفل فتُرَى منفعتهُ. وعلى بال مَنْ خطر أنَّ اكتشاف كلفني لحركة عضلات الضفدع إذا اتصل بها معدنان مختلفا النوع تنتج منهُ نتائج عظيمة مثل التلغراف الذي ربط العالم بعضهُ ببعض كما تربط الأعصاب أعضاء الجسد. أو أن نقْبَ قطع صغار من الحجارة والأحافير يولِّد علمين جليلين وهما علم الجيولوجيا وعلم المعادن وفوائد هذين العلمين أشهر من أنْ تذكر ولا سيما علم المعادن. والآلات العظيمة التي تدير المعامل وتسيِّر المراكب وتخترق الجبال وتعمل كلَّ عمل صغيراً كان أو كبيراً يتوقف فعلها على نقط صغيرة من الماء تمددت بالحرارة حتى صارت بخاراً. وهي على صغرها إذا حُصِرَت في آلة فعلت بقوة تزيد على قوة ربوات من الخيل وهذه القوة نفسها تفعل في جوف الأرض فتسبب براكينها وزلازلها.
قيل إنَّ مركيز وستر انتبه إلى موضوع البخار لمَّا كان مسجوناً في برج