سر تقدم الانكليز السكسونيين لصحة قولنا الفرق عظيم كما بين الأبيض والاسود فأهل الشمال قد بلغوا في الزراعة منتهاها وحازوا من الصناعة والتجارة أقصى المراتب . وفي الجنوب أمة أقعدها الخمول واستولى عليها الارتخاء وفترت عزائمها داخل المدن وفى مصالح الحكومة وفى الاشتغال بالثورة السياسية . في الشمال ترى المستقبل مشرقا وفي الجنوب ترى الماضي موليا . نعم قد تولى ذلك الماضي وأصبح رجال الشمال الأشداء الاقوياء بهبطون الى أمريكا الجنوبية التي ساء بختها وجعلوا يضعون أيديهم على أعظم مواقع الزراعة التي أماتها الكسل الأندلسي أو البرتغالى فأصبحوا قابضين على السكك الحديدية والبيوتات المالية ومعامل الصناعة الكبرى ومحال التجارة العظمى كنت أتحادث في هذا أيام المعرض العمومي في باريس مع رئيس قسم جمهورية « ارجنتين » خبرني بغارة الانكليزي وأخيه « اليانكي » وكان محزونا متأسف ويشدد النكير على غيره شأن الضعيف على الدوام لان القول أسهل من حمـل النفس على الجد حتى تساوى الأقوياء . على ان أولئك الذين ينافسونهم لم يتعودوا على غير هذا الاجتهاد والدأب المستمر فهم أمم لا يخاف فتيانها عيشة التزاحم والتنافس . وما حفظت تلك الامم قوتها الادبية والدينية الا بتمسكها بأنابيبها واعتمادها على نفسها الدين متينا فيهم كما هو في الكنيسة مثلا غير انهم أقل عداء للدين بكثير منا معشر الفرنساويين . والسر في ذلك شعور كل فرد منهم بأن تبعة عمله ليس راجعة اليه دون سواه – 15 – ۱۱۳
صفحة:سر تقدم الانكليز السكسونيين.djvu/121
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.