صفحة:طبقات الأمم (صاعد الأندلسي).pdf/9

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٩
الأمم التي لم تعن بالعلوم

ألوانهم وانسدلت شعورهم فعدموا بهذا دقَّة الافهام وثقوب الخواطر وغلب عليهم الجهل والبلادة وفشا فيهم العمى والغباوة كالصقالبة والبُرْغَر ومن اتَّصل بهم

ومن كان منهم ساكناً قريباً من خط معدَّل النهار وخلقهُ الى نهاية المعمور في الجنوب فطول مقارنة الشمس لسَمت رؤوسهم أَسخنَ هواءَهم وسخف جوَّهم فصارت لذلك أمزجتهم حارَّة وأخلاطهم محرقة فاسودَّت ألوانهم وتفلفلت شعورهم فعدموا بهذا رجاحة1 الأحلام وثبوت البصائر وغلب عليهم الطيش وفشا فيهم النوك والجهل مثل من كان من السودان ساكناً بأقصى بلاد الحبشة والنوبة والزنج وغيرها

وأما (الجلالقة والبرابرة) وسائر سكَّان أكناف المغرب من هذه الطبقة فأمم خصها الله تعالى بالطغيان والجهل وعمَّها بالعدوان والظلم2 على أنهم لم يوغلوا في الشمال فتلاحقهم آفة البلد ولا تمكَّنوا من الجنوب فتقصر بهم طبيعة الموضع بل مساكنهم قريبة من البلاد المعتدلة الهواء. فأما الجلالقة فمساكنهم في مغارب بعض الإقليم الخامس وما يتصل بهِ من بعض الإقليم السادس وأمّا البرابر فمساكنهم في مغارب بعض الاقليم الثاني وما يتصل بهِ من الاقليم الثالث (6) وبعض الإقليم الرابع ولكنَّ الله تعالى يختصّ برحمته من يشأ ويعدل بنعمتهِ عمّن يشاء

وأما سائر من لم أذكرهُ بشيء من هذه الطبقة فهم أُسوة هؤلاء في الجهل وإن اختلفت مراتبهم فيه وتباينت قِسَمُهم منهُ لأنّهم أجمعين مشتركون فيما ذكرنا منهم من أتَّهم لم يستعملوا أفكارهم في الحكمة ولا راضوا أنفسهم بتعلُّم الفلسفة إلاّ أن جمهورهم مع هذا وهم أهل المدن وخلافهم من أهل البادية لا يَخلون حيثما كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها من سياسة ملوكية تضبطهم وناموس إلهي يملكهم ولا يشذّ عن هذا النظام الإنساني ولا يخرج عن هذا التأليف الأليف العقل إلاّ بعض قطّان الصحارى وسكّان الفلوات والفيافي كرماغ البجَّة وهمج عانة وغثاء الزنج وما اشبههم


  1. في الأصل رجاجة
  2. لم يُصب المؤلف بنسبتهِ إليهِ تعالى هذه الخصال وغاية ما يقال أنَّ تلك الأمم أقلّ من سواها استعداداً للتمدن. وكثير منها اليوم لا ينقصهُ شيء من أسباب الحضارة