صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/27

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

جهلته فأستشيركما وإخواني المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما …»

وأبدى هذه الخليقة منه أنه كان — رضي الله عنه — لا يتكلف ولا يحتال على أن يتألف، بل كان يقول: «شر الإخوان من تكلف له.» ويقول: «إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه.» فكان الذين ينتظرون منه الاصطناع والإرضاء يخطئون ما انتظروه، ولا سيما إذا هم انتظروه من أرزاق رعاياه وحقوقهم التي اؤتمن إليها، فيحسبون أنها الجفوة البينة وأنه الزهو المقصود وما هو بهذا ولا بتلك … إنما هي شجاعة الفارس بلوازمها التي لا تنفصل منها، وإنما هو امتعاض المغموط المسيء ظنًّا بمن حوله يتراءى على سجيته في غير مداراة ولا رياء، فما كان يتكلف إظهار تلك الخلائق زهوًا كما يسمونه أو جفوةً كما يحسبونها، بل كان قصاراه ألا يتكلف الإخفاء، فإذا التفت قاصدًا إلى ما في نفسه فهو لا يقصد العجب ولا يرضاه، بل ينهى عنه ويشتد في اجتنابه، ويوصي من أحب: «إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها» … «واعلم أن الإعجاب ضد الصواب، وآفة الألباب.»

نعم كان ملاك الأمر في أخلاق علي — عليه السلام — أنه كان لا يتكلف إظهار شيء، ولا يتكلف إخفاء شيء، ولا يقبل التكلف حتى من مادحيه، فربما أفرط الرجل في الثناء عليه وهو متهم عنده فلا يدعه