صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/129

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

عُمَر والحكومة العصْريّة

من الحقائق التي لا يحسن أن تغيب عنا ونحن نقدر الأبطال من ولاة العصور الغابرة أنهم أبناء عصورهم وليسوا أبناء عمورنا، وانا مطالبون بأن نفهمهم في زمانهم وليسوا هم مطالبين بأن يشبهونا في زماننا، وان الرجل الذي يصنع في عصره خير ما يصنع فيه هو القدوة التي يقتدى بها أبناء كل جيل، ولا حاجة به إلى اقتداء بنا. ولا أن بشق حجاب الغيب لينظر إلينا ويعمل ما يوافقنا ويرضينا

ويحسن بنا أن نذكر مع هذا أن أشكال الحكومات بمرتبة دون مرتبة المبادئ التي تقوم عليها، وان المبادئ التي تقوم عليها بمرتبة دون مرتبة الروح الإنساني الذي ينبغي أن يعمها ويتخللها، لأن المبدأ أن يخلو من الروح الإنساني ولا يعيب الروح الإنساني أن يخالف المبدأ في بعض الأحايين .. فالملكية والجمهورية شكلان أشكال الحكومة قد يقومان على مبدأ واحد، هو مبدأ، الحكومة الشعبية أو الديمقراطية، ولكن العدل والحرية هما الروح الإنساني المقدم على المبدأ وعلى الشكل معا، لأن فقد المبدأ والشكل لا يضيرنا اذا وجدنا العدل والحرية ... أما فقدان العدل والحرية فهو الذي يضير ولو توافرت المبادئ والأشكال فاذا عرفنا العدل بروحه ولبابه، فلا ضير عليه أن تكره مبادئ النورة الفرنسية أو مبادئ الوثيقة الكبرى في البلاد الإنجليزية، أو مبادئ الدستور الأمريكي في أيام آباء الدستور هناك، أو مبدا من المبادئ التي لا تني١ تتجدد وتتغير كائنا ما كان

ويحسن بنا أن نسأل أنفسنا كلما أعجبنا بعظيم من عظماء العصور الحديثة : ماذا كان هذا العظيم صانعا لو نشأ في القرن الأول للهجرة مثلا

أو القرن الأول للميلاد ؟ .. أكان يصنع فيه ما هو «عصري»، في زماننا


  1. يقال : فلان لا يني يفعل كذا : أي لا يزال يفعله.