صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/19

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢١ –

المرتدين؛ لأنه يعلم أنه المسئول عن بسط هذا الوجه دون غيره، فلا تفوت الإسلام مزية من مزايا الصاحبين.

إنَّ محمدًا عليه السلام قد عرف من هُم رجاله، وما هو الموقف الذي هم مقبلون عليه بعد وفاته، فعرف الموضع الذي يضع فيه كلًّا منهم، والعمل الذي يتولاه خير ولاية في ذلك الموضع، ولم يفته أن يحسب حساب التبعة، وما في احتمالها من ضمان للأخلاق الصالحة والعقول الراجحة، وأبو بكر وعمر من خيرة أصحاب هذه الأخلاق وهذه العقول.

ولا يحسبن حاسب أننا نفسر الأمور بما كشفته لنا الحوادث بعد وقوعها، ولم يكن مقصودًا في النِّيَّاتِ قبل ذلك، فإن الذي يحسب هذا الحسبان يخطئ تلك الخطأة الشائعة، التي لا تثبت على أقل نصيب من الروية والمراجعة، يخطئ في وهمه خطأة الذين يتخيلون أنَّ هذه السياسات العالية من بدع١ الزمن الأخير، وليست هي من البدع في زمن كان؛ لأن العظمة لم تكن قط وقفًا على العصر الحديث، ولا سيما العظمة التي ترجع إلى الفطرة القويمة، والبديهة النافذة، والنظر السديد.

فكل هذا التقدير الذي أجملنا شرحه، كان تقدير قصد وتدبير، وكان مفهومًا على البداهة بين ولاة الأمر في تلك الآونة، ملحوظًا بينهم في مناجاة النيات، قبل أن نلحظه نحن في عصرنا هذا من تفسير حوادث التاريخ..

وإلى ذلك أشار عمر في قول صريح، حين قال لمن هابوه٢ وتحدثوا بخوف الناس منه: «لغني أنَّ الناس هابوا شدتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك فقد صدق، فقد كنت مع رسول الله فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ، فكنت بين يديه سيفًا مسلولًا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل مع رسول الله


  1. اخترعه، ويبرع: أي مبتدع، وفلان بدع في هذا الامر : أي بديع.
  2. من الهيبة.