صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/28

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٣٠–

المحدثون، إنما تظهر بأجلى وأعجب من هذا كثيرًا في قصة سارية المشهورة، وهي مما يلحقه أولئك النفسانيون بهبة التلباثي Telepathy أو الشعور البعيد.

كان رضي الله عنه يخطب بالمدينة خطبة الجمعة، فالتفت من الخطبة، ونادى: يا سارية بن حصن، الجبل! الجبل! ومن استرعى الذئب ظلم.

فلم يفهم السامعون مُراده، وقضى صلاته، فسأله علِيٌّ — رضي الله عنه: ما هذا الذي ناديت به؟ قال: أَوَسَمِعْتهُ؟ قال: نعم، أنا وَكُلُّ من في المسجد.

فقال: وقع في خلدي أنَّ المشركين هزموا إخواننا، وركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا، وإن جاوزوه هلكوا، فخرج منِّي هذا الكلام.

وجاء البشيرُ بعد شهر، فذكر أنهم سمعوا في ذلك اليوم، وتلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتًا يشبه صوت عمر، يقول: يا سارية بن حصن، الجبل! الجبل! فعدلنا إليه، ففتح الله علينا.

ولا داعي للجزم بنفي هذه القصة استنادًا إلى العقل أو إلى العلم أو إلى التجربة الشائعة، فإن العقل لا يمنعها، والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها، ونفي أمثالها، بل منهم من مارسوا «التلباثي» وسجلوا مشاهداته، وهم ملحدون لا يؤمنون بدين، إلا أنَّ المهم من نقل هذه القصة في هذا الصدد، أنَّ عمرَ كان مشهورًا بين معاصريه بمكاشفة الأسرار الغيبية، إما بالفراسة، أو الظن الصادق، أو الرؤية، أو النظر البعيد، وهي الهبات التي يلحقها بالعبقرية علماء العصر الذين درسوا هذه المزية الإنسانية النادرة، وراقبوها، وأكثروا من المقارنات فيها، والتعقيبات عليها.

فهو رجلٌ نادرٌ بما تراه منه العين، نادر بما تشهد به الأعمال والأخلاق، نادرٌ في مقاييس الأقدمين ومقاييس المحدثين.

أو هو رجل ممتاز، وعبقريٌّ موهوبٌ في جميع الآراء. 1) أي جمله راعيا • (۲) عدل إلى الشيء : رجع ، والى الطريق : مال (3) القطع