صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/61

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٦٣–

ولا نقص في أولئك كله كالنقص في جميع الصفات بغير الفطنة التي تخرج بها من ظلام إلى نور، وبغير الإيمان الذي يقف منها موقف الحارس الساهر والرقيب الأمين.

صفات متراكبة كأنها صفة واحدة، يأخذ بعضها من بعض، فلا تتعدد في مرآها، ولا تزال في صورة البساطة بعيدة عن التركيب، فيخطئ النظر القصير في التفرقة بين هذه الظاهرة النفسية الرائعة، وبين ظاهرة الشيء البسيط المحدود، وإنه لخطأ شائع ينساق إليه كثيرون مما يستسهلون بساطة عمر، وهي أولى بالروعة من تركيب يختلط من كل مزيج، ثم يزيد في الألوان، ولا يزيد في الإتمام والتوحيد والإتقان.

ولو أنَّ مخترعًا من أهل القصص حاول أن يخترع سيرة عمر بن الخطاب؛ لأعياه أن يخترع ذلك الشتيت المتفرق من الأخبار والأحاديث والنوادر، ليقرأه القارئ بعد ذلك فيقبل منه ما يقبل، ويسقط منه ما يسقط، ثم يبقى منه ما يدل أصدق الدلالة على كل صفة من تلك الصفات.

فلا اختراع في جملة أخبار عمر، وإن جاز الشك في بعضها، أو جاز إسقاط الكثير منها، ومن شاء فليشك في هذا الخبر أو ذاك ما بدا له الشك، وليسقط منها ما بدا له الإسقاط، فسيبقى بعد ذلك جميعه خبر يدل على عدله ولا سبيل إلى نقضه، وخبر يدل على رحمته ولا سبيل إلى نقضه، وخبر يدل على غيرته ولا سبيل إلى نقضه، ويبقى ذلك التركيب العجيب الذي هو موضع الإعجاز وموضع الدهشة وموضع التساؤل في مصادر الأخبار.

هذه هي المعضلة التي عنيناها حين قلنا في صدر هذا الفصل إنَّ سهولةَ عمرَ وخلوَّ طبائعه من التعقيد والغموض، هي سهولة أصعب من الصعوبة؛ لأنها تنتهي بك إلى صعوبة التركيبة التي هي أندر من التعقيد والغموض، وتريك عناصر شتى قد تتناقض في غير هذا التركيب، ولكنها هنا لا تتناقض في شيء ذي بال؛ لأن التناقضَ أنْ يذهبَ كلُّ عنصر في وجهةٍ