صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/25

تم التّحقّق من هذه الصفحة.

كان هو باعثا للإيمان، لكان أحرى1 الناس أن يستجيب الى الدعوة المحمدية هم فسقة المشركين وفجرتهم وأصحاب الترف والثروة فيهم، ولكان طغاة قريش هم أسبق الناس إلى استدامة الحياة واستبقاء النعمة، فإن حياة النعيم بعد الموت محببة إلى المنعمين تحبيبها إلى المحرومين، بل لعلها أشهى إلى الأولين وأدنى 2، ولعلهم احرص عليها وأحنى، لأن الحرمان بعد التذوق والاستمراء 3 أصعب من حرمان من لم يذق ولم يتغير عليه حال.

* * *

لم يكن أبو لهب أزهد في اللذة من عمر ..

ولم يكن السابقون إلى محمد أرغب في النعيم من المتخلفين عنه .. ولكننا ننظر إلى السابقين وننظر إلى المتخلفين، فنرى فارقا واحدا بينهم أظهر من كل فارق. ذلك هو الفارق بين الأخيار والأشرار، وبين الرحماء المنصفين والظلمة المتصلفين 4، وبين من يعقلون ويصغون 5 إلى القول الحق، ومن يستكبرون ولا يُصغون إلى قول.

ذلك هو الفارق الواضح بين من سبقوا ومن تخلفوا .. وليس هو الفارق بين طالب لذة وزاهد فيها، أو بين مخدوع في النعيم وغير مخدوع . ولعلنا لا نستبين هذه الحقيقة من مثال واحد كما نستبينها من مثال عمر — رضي الله عنه — في إسلامه فقصته في ذلك نموذج لتلبية الدعوة المحمدية، ينفي كل كلام يقال عن الوعيد والإغراء وأثرهما في إقناع الأقوياء أو الضعفاء.

قال ابن اسحق: «... خرج عمر يوما متوشحا 6 بسيفه، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا 7 من أصحابه .. قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء . ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق، وعلي بن أبي طالب، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: «من تريد يا عمر؟ ..» .


  1. أجدر واحق
  2. اقرب
  3. المراد، الاستطعام والتلذذ
  4. المتجاوزين حدودكم والمتكبرين
  5. يسمعون ويستجييون
  6. متقلدا
  7. ما دون العشرة من الرجال
٢٥