صفحة:غاية الحياة مي زيادة 1921.pdf/5

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.


غاية الحياة


 
 

أيتها السيدات‬

موضوعنا اليوم «غاية الحياة»، ولا أعرف كلمةً خطيرةً كهذه وأكثر تفلتًا من حدود التعريف، إن لفظة «الحياة» في معناها التامِّ تشمل الكونَ بأسره مما يُرى وما لا يُرى، وهي ذلك التيَّار الخفيُّ النافذ في كلِّ شيء، المحيط بكل كائن، وقد حوى من الاقتدار والجبروت ما ألقى في رُوعنا أنه من روح اللّٰه، كأننا نحسب الحياة نسمات نور وإنعاش منطلقة من صدر تلك القوة الكبرى التي نسبح جميعًا في بحار جودها، ونسميها: «اللّٰه».

فإذا شمل معنى الحياة جميع الموجودات فأنى لنا تعيين غايتها؟ من ذا الذي يجرؤ على تعيين غاية الفلك في دورته، والنجوم في سيرها، والمذنبات في تكوُّنها، والشموس في تشعُّعها واحتراقها، والنيازك في تساقطها على الأرض حجارًا سوداء؟ من ذا الذي استشفَّ من البحار غاية المدِّ والجزر، ومن القمر غاية الاكتمال والانتقاص، ومن النوع البشري غاية مدنيَّاته وأديانه وأنظمته، وكل ما يتقلَّب عليه من الأطوار؟ كيف نتحرَّى غاية الربيع بحلوله بعد الشتاء، فيتبعه الصيف المتلظيِّ الذي لا يلبث أن يزول أمام الخريف الحزين؟ وما غاية الغصن في تمايله وتجرُّده وإيراقه، وغاية البذور في النمو والإنتاج والذبول؟ نحن نعرف بعض الأسباب الطبيعية في الخليقة وما يترتب عليها من النتائج، ولكن لماذا تعمل تلك الأسباب، وما غاية هذه النتائج، وإلى أين يقودنا هذا الوجود وهذا الفناء؟ لغز رائع لا يحلُّه الإنسان مهما ارتقى علمًا وفضلًا وإخلاصًا.

والإنسان الذي هو جزء من هذا الوجود غير المُدرَك، أكثرُ ما يستعمل كلمة «حياة» ليعني كمية أيامه على الأرض ومجموع أعماله، وكمية أيام كائنات أحاطت به وقد امتاز عنها جميعًا بما أُوتي من إدراك وإرادة وحرية. فالجماد مثلًا لا يتحرك إلا مرغمًا بفعل