ولو اختفى وراء مظاهر الموت — يؤدي وظيفته ويتمم ما وُجد لتتميمه، وكذلك كل خلية من خلايا الجسم تعمل لتؤدي وظيفتها. غير أن ذلك العمل الآليَّ ليس ليُغني الفردَ المفكِّر المُريد الذي لا تكفيه الغاية العامة في الكون، إنما هو يعمل عملًا خاصًّا إضافيًّا يتفق مع غايته المختارة، تتمرن عليه مجهوداته ويمارس به قواه. تلك السعادة التي يحلم بها لا بد أن يسعى إليها سعيًا خصوصيًّا حثيثًا أريبًا في تحنيه وتشعبه وتنوعه. ومع ذلك ليست كل قيمة العمل في أنه مُوَصِّل إلى الغاية المقصودة، ولكن قيمته المعنوية الكبرى في كونه آلة الاستقلال الفردي، وخالق الاحتياج إلى الاعتماد على النفس.
وما هو الاعتماد على النفس إن لم يكن مكيِّفَ الذاتية الحرة التي تدرك أهمية احتياج الآخرين إليها، وتدرك كونَها مخلوقةً على صورة الله ومثاله؛ لأن الله — وهو المبدع الأعظم — خلق الإنسان وأودعه قوى الإدراك والاختيار والابتكار التي لا تظهر إلا في العمل؟ فبهذا العمل الذي يخلقه الإنسان ويتقنه يصبح إلهًا صغيرًا، بالعمل يكبر في عيْنَيْ نفسه وتنسجم حوله هالة الكرامة المفرزة عناصرها من داخله، المتشبع ثقةً بكفاءته وإقدامه، بالعمل يرفع رأسه الذي أحناه الطلب والاستنجاد، وينظر إلى الناس كأشباهٍ لا هم فوقه ولا هم تحته، بل هم إخوان يعملون في سبلهم المختلفة.
وينظر إلى الحياة متفرسًا في ملامحها بلا وجلٍ؛ لأنه تعلَّم في مدرسة الاعتماد على النفس أن المصائب والمحن والمعاكسات الداخلية والخارجية تعجز عن النيل من قواه الجوهرية، وإن تلك الرزايا إنما هي عناصر اختبار، له أن يستخرج منها دروسًا قيِّمة ومعلوماتٍ جديدةً تَزيده قوةً ونبلًا.
ليس النبيل من ورث نسبًا ومالًا فاستخفَّ بالناس والأشياء اتكالًا على وراثته، بل النبيل من خلق نفسه، وما زال بها كلَّ يوم يجددها بعمله ليخلف للمستقبل ثمرة مجهوداته، النبيل من لا ينتظر «الظروف» و«الحظ» و«البخت» تلك الكلمات التي يتمحل بها الذليل الخامل، بل ينتهز الفرص ليجعلها صفحاتٍ جليلةً في كتاب عمره. وما الأيام والساعات سوى فرص ثمينة للنابه يستخرج منها العجائب.
هنا أود أن أحصر الموضوع في المرأة؛ لأن الموضوعات النسائية تستوقفنا بوجهٍ خاص لنبحث فيها عن نقائصنا ونعرف مواطن ضعفنا؛ فنحاول الإصلاح ما استطعنا إليه سبيلًا.
أما فيما يتعلق بضعف المرأة فأصارحكن القول بارتيابي منه في المعنى الذي يقصدون. أُرسلُ البحث في شئون العمران، فأجد تأثير المرأة وراء كل عملٍ مسببًا من