صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/110

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۰۶ - « ويصبح – على هذا – أن يكون الشباب عهد ابتداء العاطفة وافتتاحها على صورتها الأولى . أو هو العهد الذي تفاجأ فيه البنية بشعور جديد لم تكن لها به خبرة من قبل . فيشاهد عليها ما يشاء د على كل بنية تفاجئها حالة طارئة . فإن المفاجأة إذا عرضت لإنسان بدا لك في حالة كحالة الشاب في أول عشقه : وجه ساهم ، وفم مغفور ، وطرف ذاهل ، ولسان معقود ، ونفس مطرود . وهذه هي الحالة التي يخيل إلى من يراها أنها العشق دون غيره ، مع أنها أحرى أن تدل على أن العشق مفاجأة لم تعهدها البنية ، ولم تألفها النفس ، فلم تزل بها حاجة إلى التثبت منها والرياضة عليها . ثم تأتى هذه الرياضة شيئا فشيئا ، مع تعاقب الأيام ، وتعاقب ألوان الشعور . ا - « في هذه الحالة – حالة المفاجأة – تتفتح النفس على عالم مسحور ، حافل بالصور والزخارف والأسرار ؛ وتجود القريحة بالمعنى البسكر والخيال الطريف ، وتتسع للشاعر منادح للاحساس ، ولوصف الإحساس ، يركض فيها ركض السبق والتجلية إن كان من السابقين المجلين . ولكن المفاجأة يمتنع بعد قليل أو كثير ، فلا يمتنع سبيل القول بامتناعه . كالذي تسحره المدينة لأول نظرة ، فيصفها على التو والساعة في الصورة المتوهجة التي أضفاها عليه سحرها . ثم يقيم فيها سنة أو سنوات فلا يجهلها بعد معرفة ، ولا يعز عليه وصفها بعـد قدرة . ولكنه يصفها غير مسحور ولا ، فيخسر وصفه ذلك الوهج اللامع ، ثم يعوضه نفاذ النظرة وطول الخبرة وصدق المشاهدة ، كأنما تغيرت المدينة . وهي لم تتغير بين النظرتين ، ولا أخطأ واصفها في إحدى الحالتين « وإذا كان هذا شأن المدينة المحدودة ، فكيف يكون شأن العالم النفساني الذي ليست له حدود ؟ وكيف يستنفد هذا العالم الرحيب في نظرة واحدة ، ولا سيما نظرة المفاجأة والمعرفة الأولى ؛ وكيف يفهم العاطفة الإنسانية من