صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/20

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

-17- أن التي قد تكون سهلة التركيب ، واضحة الأداء . لا صعوبة فيها ولا تعقيد وهنا نصل بالحديث إلى النتيجة الثانية لمقدمات هذا البحث : وهي صعوبة الفهم أو سهولته ، ليست راجعة في الحقيقة إلى غرابة اللفظ ووعورة التركيب . فهذه صعوبة سهلة حلها ميسور ؛ ومرجعها – كما قلت – إلى المعجم وإلى التمرس بالأساليب . إنما الصعوبة التي تحتاج إلى الطبيعة وإلى التجربة معاً ، هي صعوبة التصور والإدراك ، بسبب نقص الرصيد النفسي من التجارب الحسية والذهنية والروحية ، وفقر الطبيعة من الذخيرة الموهوبة ، التي تهيئها للفن الرفيع . وإنك لتجد في بعض الأحيان من يجادلك في نص أدبى ، يقول لك : ما معنى هذا ؟ فإذا حاولت أن تفسره له لم تجده قاصرا عن فهم ألفاظه وتراكيبه . ولكنه عاجز عن تملى الحالة النفسية التي يرض هذا النص إليها . فإذا حاولت أن تدله على موضع النقص في استعداده الفنى ، لم يجد إلا أن يقول لك : إذا كنت أنا دارس اللغة وآدابها لا أفهم هذا القائل ، فلمن يقول ؟ ! م إن المدى البعيد جدا بين معرفة مدلول الألفاظ اللغوي في النص الأدبى ، واستحضار الصورة النفسية التي يشعها. وهذا مثل ذلك ضرورى للادراك الصحيح . وأضرب هنا مثالا قد يكون ضروريا للايضاح : يقول القرآن الكريم : « والصبح إذا تنفس » . فماذا تعنى هذه الألفاظ عند الكثيرين من دارسي اللغة العربية ؟ إنها تعنى : « استعارة مكنية في الصبح الذي شبهناه بإنسان ، وحذفنا المشبه به ، ورمزنا إليه بشيء من لوازمه وهو « تنفس » أو هي تركيب جميل ذو إيقاع موسيقى ، حين نقرنه إلى الآية قبله : « والليل - إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس » فأين هذا مما يشعه هذا التعبير في النفس الشاعرة ، من الحياة المفاضة على