صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/236

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

لعل هناك سببا آخر هو طبيعة هذه المقالات ، فهي أشبه ما تكون بدعوة جديدة ، تبلغ حماسة صاحبها لها مبلغ الشاعرية ، فهو يتأنق في أدائها ، ويكرر مقاطعها ويعيدها في صور من التعبير شتى . ولعل هذين العاملين ها كذلك علة بعض التناقض بين الدعوات المختلفة التي تتألف منها الدعوة الكبرى ، وذلك حسب مزاج الداعي في كل فترة من فترات دعوته . فأنت في بعض المواضع – كما في إحدى الفقرات التي نقلتها سالفاً - تحس أنه يجعل الفن الجميل واحداً من مقومات النفس الإنسانية وعاملا أساسياً من عوامل تربيتها وتنمية مقدراتها ، ووصلها بما يغيب عنها من معاني وجودها الكبرى ، ولكنك تراه في بعض المواضع بزرى باللمحات الشعرية كما يزرى بالسبحات الوجدانية والفكرية المجردة ، ويعدها على هامش الحياة الإنسانية أو يراها أثراً من آثار الطفولة البشرية ، أوتزجية للفراغ لاتنمى الحياة ولاتضيف إليها شيئا . ذلك حين يقول : ( « ويخيل إلى حتى درجة الظن ... أن فكر الإنسان لا يجدى عليه شيئاً إلا حين يتجه إلى فتح جديد في عالم أخلاقه ، أو في عالم المادة للانتفاع بها وكشف خصائصها ، ولقط أسرارها واستخدامها ، وأنه ما وضع في الحياة وضعاً أصيلا إلا في هذين الموضعين » 6 « فعرفته بأخلاقه تقيم حياته على الصراط السوى الذي ليس فيه عقبات وسدود من فعل الغرائز والشهوات وعقابيل الطفولة ، وتفرغه للعمل المثمر الدائم في المادة . ومعرفته بأسرار الطبيعة تفتح له أبواب العمل فيها وتنتج له بركات من السماء والأرض وترقيه وتفرغه للعبادة بالفكر والعمل ، أما فترات التفلسف