صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/305

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۳۰۱ - ان طبيعة الموضوعات التي عالجها النثر العربي المأثور ، وأهمها الحكم والأمثال ، والتوقيعات ، والرسائل ، هي التي اقتضت هذا الإيجاز ، وكان سائغا فيها ولكنه في الشعر بدا عيبا في كثير من الأحيان . فعظم الشعر العربي يعمد إلى بلورة المعنى وإرساله كالقذيفة ، وقلما يعنى بتصوير الحالات النفسية ووصفها وبسط التجارب الشعورية التي تمتع الحس بتتبعها . إنه يخاطب الذهن غالبا بالمعنى الذهبي الأخير الذي لا يتمتع به إلا الذهن وحده . وفي هذا تتفوق طريقة الأداء في غير الشعر العربي : في الشعر الأوربي والهندي والفارسي . ولقد سبقت عدة فصول عن « طريقة الأداء في الشعر » وعن « الصور والظلال في الشعر » وكلها تبرز تقصير طريقة الأداء في الشعر العربي عن نظائرها في الشعر العالمي . والعيب كله راجع إلى بلورة المعاني ، واقتضاب التفصيلات . أي إلى هذا الايجاز الذي قد يفلح في شعر الحكم ، ولكنه يخفق في تصوير الحالات النفسية ، والخطرات الشعورية كل الإخفاق . كما يخفق في القصة التي تقتصى مزيداً ر العناية بالدقائق ، والإحاطة بالفروع ، والاهتمام بالملابسات » تلك الخصائص التي ذكر الأستاذ الزيات أنها من خصائص اللغات التفصيلية .... وقد نقل الأستاذ كلاما لابن الأثير في ص 94 ، له دلالته في موضوعنا : قال ابن الأثير « جلس إلى في بعض الأيام جماعة من الإخوان ، وأخذوا في مفاوضة الأحاديث ، وانساق ذلك إلى ذكر غرائب الوقائع التي تقع في العالم ، فذكر كل الجماعة شيئا . فقال شخص منهم : « إنى كنت بالجزيرة العمرية ، في زمن الملك فلان ، وكنت إذ ذاك صبيا صغيراً ، فاجتمعت أنا ونفر من الصبيان في الحارة الفلانية ، وصعدنا إلى سطح طاحون لبني فلان ، وأخذنا نلعب على السطح ، ۔ فوقع صبي منا إلى أرض الطاحون ، فوطئه بغل من بغال الطاحون ، فخفنا أن