صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/344

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٣٤٠ - فصدق يتتبع أبا نواس من نشأته إلى منتهاه ، ونسير نحن على خطاه مع الشاعر مرحلة بعد مرحلة ، ونشهد الأحداث تمر به ، والمؤثرات تتوالى على حسه ، والاستجابات تنفعل بها نفسه ، وننتهى إلى حيث ينتهى ، فإذا هو حى يعيش ، وإذا نحن قد عشنا معه معظيم أيام حياته ، أو أهم أيام حياته ، وألفناه في بطء وتؤدة ألفة المعاصر والزميل ، على المدى الطويل والمازني وعبد الحليم لا يلتقى كلاها مع شاعره إلا في فترات ولمحات ، ومع هذا يحاولان أن يرسما لنا من الشاعر صورة كاملة واضحة ، بلمسات سريعة تغنى عن العشرة الطويلة والألفة المديدة ، ولا تغفل من سماته النفسية ، وملامحه الشخصية إلا الذي لا طائل وراءه من التفصيلات والجزئيات ا وإن بدت في ظاهرها وأنا أزعم أن هذه الطريقة الثانية أصعب وأعسر أسهل وأيسر – وأزعم أنها في حاجة إلى مهارة أكبر ، وبراعة أكثر ، للتجويد فيها وبلوغ غاية مداها ، وأن الزلل فيها أقرب وأوضح من الزال في الطريقة الأولى وأن ستر مواضع النقص فيها أصعب وأعسر ، والتوسط في الأخذ بها لا يؤدى إلى شيء ذي قيمة ، فإما عبقرية تستخدم الريشة في سرعة ومهارة ، وإما ظهر التخلف و « باظت » الصورة ، وأفلت من يد المؤلف الزمام . فالغلطة في الطريقة الأولى تظل غلطة جزئية لا تؤثر في المجموع ، لأنها غلطة في تفسير حادثة أما الغلطة في الطريقة الثانية فتفسد الصورة كلها ، لأنها غلطة في سمة نفسية ، - - t ( وفي خاصة شخصية ! ولا يعني هذا تفضيل طريقة على طريقة ، ذلك التفضيل المطلق الحاسم ؛ فقيمة كل طريقة موكولة إلى أسلوب استخدامها ، وقيمة كل ريشة رهن اليد التي تمسك بها ، فالعبقرية تأخذ بهذه الريشة أو بتلك ، وتستخدم هذا الطريق أو ذاك فتظهر سماتها في كل حالة ، ويبرز طابعها في كل مرة 6