صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/352

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٣٤٨ D جسم و « تاريخ ابن الأثير » وسواهم في الزمن القديم ، فلسنا نقبلها من مؤلف عربي في القرن العشرين ، نتطلب منه أن يخطو خطوة وراء «المعلومات» المتناثرة ، خطوة التنسيق الفنى ، وخطوة « التشخيص » والإحياء . أقول « التشخيص » وهو أفضل مناهج الكتابة عن « المدن » في هـذا الأوان . فالمدينة يجب أن يكتب عنها كما يكتب عن « الشخص » الحى : والشخص الحي وحدة تنمو كاملة بمرور الأيام ، ولا تنمو أجزاء وتفاريق . لا ينمو « الشخص » الحي وحده ، وينمو عقله وحده ، وتنمو نفسه وحدها . وإذا تحدثنا عنه فلسنا نبدأ بنموه الجسمى فنتحدث عنه من مولده إلى وفاته . ثم نكر راجعين إلى عقله من البدء للنهاية . ثم نكر للمرة الثالثة إلى نفسه على التوالى إنما نحن تتناول مراحل حياته فنسجل مظاهر النمو في كل قواه التي لا تنفصل ولا تتجزأ ، والتي يموت الكائن الحي فيه إذا نحن فصلناها وجزأناها ! وتاريخ حياة « المدن » كتاريخ حياة « الأشخاص » لا ينفصل فيه النمو السياسي عن النمو العمراني عن النمو العقلي عن النمو الفنى . إنما يسير هذا كله وحدة لا تتجزأ في المرحلة الواحدة ، وتسير المراحل المتتالية متواصلة كالأمشاج ، متفاعلة كالعناصر المختلفة في المزاج . ا يجب أن تطالعني « دمشق » أو تطالعني « بغداد » بنية حية تبدأ صغيرة ، ثم تنمو وتنمو ، ثم تتعاقب عليها الأحداث ، فتترك آثارها في هذه البنية الحية ، التي لا تنفصل ذراتها ، لأنها لا تزال على قيد الحياة . يجب أن يجتهد المؤلف في « إحياء » هذه المدينة ، حتى تبرز لى شخصية متماسكة حية تعاطفنى وأعاطفها ، وحتى أساير خطاها في الزمن بقلب جياش يطلع منها على ضمير منفعل ، وحركة مثيرة ؛ أو على حسن خامد وغفوة هامدة ، أو على صراع مع الأحداث والأيام ، تواجهه بقلب الكائن الحي ، الذي يضطرب وينبض للأحداث والأيام .