شغب بعض الجند على طاهر وانضم فريق منهم إلى جانب الأمين (حوالـي ٥ الاف)، ولكن النجاح لم يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ تمكن طاهر بسرعة من السيطرة على رجاله، وعزم جيش بغداد الذي اقترب من مواقعه فلجأ إلى داخل المدينة التي أصبحت مطوقة تماماً من جميع الجهات. وأفلت زمام القـــواد - الذين كانوا يطلبون المال بجشع والحاح - من يدى الأمين، وعمت العاصمة الفوضى، فنقبت السجون وخرج أهلها، وثار العامة والغـوغـاء وساد النهب والسلب والاضطراب.
رغم حالة الفوضى التي عمت بغداد لم يكن من السهل أخذ المدينة التي بناها المنصور لتكون أولاً وقبل كل شيء معسكرا لجنوده، وملجأ يستقر فيه في مفاجاة الأعداء. فللمدينة سوراها الضخمان، والخنـدق الممتد بينهما، ثم هي مقسمة بعد ذلك إلى أحياء (أرباع) شبه منفصلـة تتوسطها المدينة الملكية، ويمكن لكل منها أن ينظم دفاعه الخاص. بعد ذلك هناك الأحياء والأسواق خارج الأسوار وهي مكتظة بالمباني والسكان ويمكن الاعتصام بها.
عرف طاهر ذلك وعمل على ضرب حصار محكم حول المعسكر الضخم. فقسم دائرة الحصار الى أربع مناطق، وعهد بكل منطقة إلى قائد. ونــزل هرثمة بالمنطقة الشرقية (وراء دجلة) بينما نزل طاهر بالمنطقة الغربية مـن ناحية باب الأنبار (باب الكوفة).
وصمم الأمين من جهته على المقاومة المستميتة دون النظر إلى العواقب مضحيا بمدينة الخلفاء العالمية. فلما أحوجه المال ضرب آنية الذهب والفضة وفرقها في أصحابه، ولما خرجت عليه أحياء المدينة أمر بإحراقها رمياً بالنفط والنيران وبالمجانيق. ولم يتورع طاهر عن فعل مثل هذا أيضاً بالنسبـة للأحياء التي ظلت تقاومه وسماها دار النكث (أهل الأرباض ومدينة المنصــور وأسواق الكرخ والخلد، لامتلائها بالعامة والغوغاء ). كما أنه لجأ إلى إرهاب الأعيان الذين لم يخرجوا إليه من الهاشميين وكبار القواد في أموالهم