ركن إلى طلب الأمان، وكل ما فعله أنه لم يرني أن يكون استسلامه لطاهر بل فضل عليه هرثمة بن أعين.
وكان من الطبيعي أن يثير ذلك طاهراً صاحب الحصار. وتمكن الطرفان من إيجاد حل لذلك، إذ اتفق على أن يدفع الأمين شعار الخلافة - الخاتم والقضيب والبردة - إلى طاهر. وأتى هرثمة بحراقة في دجلــة ونقل الأمين إليها (وحده) ولكن طاهراً لم يكن ليرضى أن يفوته شــــــــــرف استسلام الخليفة. فدبر إغراق الحراقة بأيدي أصحابه تدبيراً سافراً. وتنتهي قصة الأمين نهاية مأساة روائية (تراجيدية) بأن يؤسر وهو شبه عريان ويحبس في إحدى الدور. وفي ظلام منتصف الليل الذي تبدده بعض المشاعـل يدخل عليه بعض الرجال من العجم ويذبحونه ذبح الشاة من قفاه (في يوم الأحد ٢٣ محرم سنة ١٩٨هـ) ويسيروا برأسه الى طاهر الذي يرسلهـا بدوره إلى المأمون صاحب العرش دون منافس.
استسلمت بغداد بعد إذن، وفي يوم الجمعة التالي (۲۸ المحرم) دخل طاهر بغداد وصلى الجمعة ودعا للمأمون. وكان المتوقع أن تهدأ الأحوال ويستتب الأمن وتستقر الأمور بعد موت الأمين وخلوص الأمـر للمأمون، وهذا ما لم يحدث. فالمسألة كانت أكثر من ذلك تعقيداً، إذ معنى انتصار صاحب الولايات الشرقية هو أن مركز الخلافة والحكم كان يتزحزح نحو المشرق. وفعلاً لن يدخل المأمون بغداد إلا بعد ست (٦) سنوات قضاها في عاصمة ولايته الشرقية مرو. وخلال هذه السنوات الست ستعرف بغداد كمــا ستعرف الولايات الغربية ألواناً من الاضطراب وصنوفاً من الفتن والثورات، وذلك حتى يعود الخليفة من جديد إلى عاصمة الدولة "بغداد ".
فبعد دخول طاهر بغداد لم تلبث الثورة أن شبت بالمدينة واشتـــرك فيها الجند الذين طالبوا بأرزاقهم ونادوا بموسى بن الأمين. وظن طاهـر أن في الامر مؤامرة فخرج عن المدينة وعزم على التنكيل بأهل الأرباض، لـولا تدخل الأعيان واعتذارهم إليه. وعندئذ حمل طاهر ولدي الأمين وهما موسى وعبد الله وأمر بتسييرهما إلى المأمون بخراسان.