وكان هناك خطر جديد يهدده في المشرق، فالحركات المذهبية التي بدأت بتعاليم أبي مسلم، والتي تابعه فيها المقنع عن تناسخ الأرواح والحلول الإلهي كانت قد انتشرت في آذربيجان بفضل من يسمى بابك الذي اكتسب كثيرا من الأتباع، والذي ربما بلغت قوته إلى حد فصل الولايات الإيرانية عن الغرب لو قدر لحركته أن تتسع إلى أكثر من ذلك - فهم المأمون إذن خطـورة الموقف، وترك مرو وسار إلى بغداد ولحسن حظه تمكن من الخروج من المأزق الذي دبّره هو نفسه. ففي الطريق تحدث مآسٍ اشتهر بها التاريخ العباسي، إذ يغتال الفضل بن سهل، ذو الرئاستين، بسرخس - بتدبير من الخليفة على ما تدل الظواهر. واتجه المأمون نحو طوس لزيارة قبر والده، والتبـرك بالصلاة عليه. وفي طوس مات صهره العلوي مصاباً بسوء هضم، كما يقـال (أكل عنباً وكان يحب العنب)، ولكن من المحتمل أنه مات مسموماً (ابن الأثير لا يعتقد في ذلك)1، ودفن إلى جانب قبر هارون. ولما كان العـلـويـون سيعتبرونه شهيداً في القريب العاجل، بنيت حول قبره مدينة جديدة سميت المشهد الرضوي أو "مشهد" التي محت نهائياً مدينة طوس القديمة، والتـي تمثل الآن أكبر عتبات الشيعة المقدسة إلى جانب كربلاء.
ولما كان أخو الوزير وهو الحسن بن سهل بمنطقة واسط، وكان غريبـا بالنسبة للعراقيين فإنه سيجن بعد قليل، كما يقال، ويسجن بهذه الحجـة2، وبناء على ذلك فإن أهل بغداد بدأوا يهجرون المطالب بالخلافة (إبراهيم بن المهدي) الذي اضطر إلى الاختفاء، بعد أن تسلل قواده إلى قـــــــواد المأمون وفشل محاولاته للاحتفاظ بمركزه (في ١٦ ذي الحجة سنة ٢٠٣هـ)، كما اختفى الفضل بن الربيع أيضاً ثم إنه تحول إلى قائد المأمون، وسمحوا للمأمون