خلافة المعتصم:
بعد وفاة المأمون لم يعتل العرش ابنه العباس بل اعتلاه أخوه أبـو إسحق محمد المعتصم بن الرشيد، الذي كان يلي مصر حتى ذلك الوقت والذي أوصى له المأمون بالخلافة من بعده. وعمد المأمون هذا بالخلافة لأخيه بدلاً من ابنه يدل على أنه لم يكن مهتماً كثيراً بأن تكون الخلافة في عقبه كما كان الحال بالنسبة لأسلافه - وأنه كان زاهداً فعلاً في السلطان أيام ولي عهده الطالبي وأنه كان يفكر في ذلك الوقت في حل المشكلة العلوية العباسية.
ولعصر المعتصم أهمية كبيرة في تاريخ الأسرة العباسية بصفة خاصـة وفي تاريخ الإسلام بصفة عامة. ففي أيامه بدأ الترك من حرس الخليفة يظهرون في مركز الإمبراطورية ويستولون شيئاً فشيئاً على الوظائف الكبرى في الجيش، ويقضون على نفوذ الفرس في عاصمة الخلافة، ويمهدون للفترة التالية التي يمكن تحديدها ببناء سامرا ثم بظهور وظيفة أمير الأمراء على عهد المقتدر (٢٩٥ – ۳۲۰هـ / ۱۰۸ – ۹۳۲م)، وغلبة المملوك (كبير قواد الحرس التركي) على السيد (الخليفة) والتي يمكن أن نسميها دولة الترك. وطبيعـي ألا يتم هذا التطور فجأة في خلافة المعتصم التي تعتبر استمراراً لعهد المأمون. فالمأمون هو الذي بدأ استعمال الحرس التركي، وكبار قواد المعتصم من الترك هم أنفسهم قواد المأمون، كما أن العاصمة التركية الجديدة - سامرا - ابتدئ في إنشائها على عهده كذلك (بل على عهد الرشيد من قبل).
اعتلى المعتصم عرش بغداد عقب وفاة المأمون دون نزاع، إذ أن الجيش الذي كان قد بايع ابن المأمون وهو العباس، ترك المناداة به خليفة عنـد وصول المعتصم واعتراف العباس به. ولكن الاضطراب الذي عاناه العراق كـان يظهر إلى حد كبير كيف تدهورت الأسرة العباسية وكيف انحطت هيبتها كما لم يحدث من قبل.
ففي جنوب العراق في منطقة المستنقعات بين البصرة وواسط حيث كـــان