لاشتغال الموفق بحرب صاحب الزنج، وخشي ضياع ولاية الثغور منه بسبب وقـوع بلاد الشام بينها وبين مصر، وسار بجيشه نحو بلاد الشام، فدانت له أمهات مدنها، ودعي له على منابرها (٢٦٤ - ٢٦٥هـ)، ولكنه اضطر إلى العودة إلى مصر لقمـع ثورة ابنه العباس. ثم خرج ابن طولون إلى الشام (جمادى الأولى سنة ٢٦٩هـ) بعد أن اتصل به نبأ خروج لؤلؤ والي الرقة عليه والضمامه إلى الموفق، واستخلف علـى مصر ابنه خمارويه. وبينما هو في طريقه إليها، بلغه خروج أهل طرسوس عليه، فعول على المسير إليها. ولكنه لما وصل إلى دمشق جاءه كتاب الخليفة العباسي ينبئه فيه بالمسير إليه والاحتماء به. ورحب ابن طولون بهذه الفكرة لما تنطوي عليـه من تقوية شأنه في مصر. ولكن ابن كنداج عامل الموصل والجزيرة قبض على الخليفـة المعتمد وساقه إلى سامرا، وكوفيء بولاية مصر.
وقد فعلت سياسة الموفق فعلها في الناس، فقد كان من أثر لـعـن الخليفة ولعن ابنه المفوض وأخيه الموفق لابن طولون، وانضمام لؤلؤ ومن معه من القـــــــواد ومنافسة ابن كنداج له وتوليته على مصر والشام، أن ضعف نفوذه الأدبي في البـلاد التي دانت لسلطاته. فحلت الهزيمة بجيشه في مكة، ولعن في المسجد الحـــــــــــرام وكان من أثر هذه الدعاية الواسعة التي نشرها الموفق ضد عدوه ابـن طـولـون، أن حلت به الهزيمة لأول مرة في طرسوس ومات أكثر جنده من البرد بسبب غرق أمتعتهم.
وسار ابن طولون بعد ذلك إلى المصيصة وأقام بها ثلاثة أيام. وهنا عرضت له علته التي أودت بحياته.
قال الكندي: وتزايدت علة أحمد بن طولون، فأمر الناس بالدعاء له فغدا الناس بالدعاء له إلى مسجد محمود بسفح المقطم يوم الإثنين لست خلون من شوال سنة سبعين ومائتين. وحضر معهم القصاص فدعوا له، ثم غدوا أيضاً بالدعاء لـه وحضرت اليهود والنصارى معتزلين عن المسلمين، وحضروا أيضاً اليوم الثالث النساء والصبيان، وأقاموا على ذلك أياماً. ثم توفي ليلة الأحد لعشر خلت مـن ذي القعدة سنة سبعين ومائتين وله من العمر خمسون سنة وشهر وسبعة عشر يوماً، ودفن باليحموم بسفح المقطم بعد أن حكم نيفاً وستة عشر سنة، وترك من الأولاد ثلاثـة