رأى هارون أنه لا طاقة له بهزيمة الجيش العباسي، فصم على الفرار، ولجأ إلى العباسة، ومعه أهله وأعمامه ونفر يسير من جند. وفي هذا المكان قتله عمـاه شيبان وعدي ابنا أحمد بن طولون، وهو منشغل باللهو ثمل بالخمر (صفر سنة ٢٩٢ھـ) ولم يناهز حينذاك الثانية والعشرين من عمره.
هكذا انتهت ولاية هارون الذي قتل بيد عميه، فكان طبيعيا إذا أن يؤول أمر هذه الولاية إلى أحد قتلته. وقد آلت فعلا إلى عمه شيبان الذي لم يلبــــث أن سار إلى الفسطاط ليتسلم مقاليد هذه الولاية. بيد أن هذا العمل لم يرض الجند، بل أغضبهم بمقدار ما أغضبهم قتل مضر بن أحمد بن طولون على يد ابن أخيه جيـش ابن خمارويه من قبل. وأنكر القواد جميعاً، ما أتاه شيبان وأخوه، ولم يعترفوا بولاية شيبان، وكاتبوا محمد بن سليمان وطلبوا منه المسير إلى مصر، فسار حتى نــــــــــزل العباسة حيث لقيه طغج بن جف في جمع كثير من القواد، وصحبوه الى الفسطاط. وهنا انضم إليهم أصحاب شيبان الذي لم يجد بداً من طلب الأمان من محمد بــــــــن سليمان. وفي شهر ربيع الأول من سنة ٢٩٢هـ خرج شيبان، ولم يكن قد مضى علـى ولايته غير اثني عشر يوماً، ودخل القائد العباسي مدينة القطائع، وألقى فيها النار، ونهبت رجاله الفسطاط وكسروا أبواب السجون وأخرجوا أولاد ابن طولون وأنصارهـم من القواد. وهكذا زالت الدولة الطولونية بعد أن حكمت هذه البلاد ثماني وثلاثين سنة.
على أن الاضطرابات استمرت في هذه البلاد، بسبب ضعف الخلفاء العباسيين، وعجزهم عن المحافظة على سلطانهم فيها، ثم لاستبداد الأتــــراك بالسلطة، وضعف مصر نفسها وقيام المنافسة بين الولاة وعمال الخراج. هذا إلـى أن مصر قد تعرضت في ذلك الوقت لغزوات الفاطميين، الذين أسسوا دولتهم فـي بلاد المغرب سنة ٢٩٦هـ، وحاولوا الاستيلاء على مصر مرات لاتخاذها مركزاً لنشر دعوتهم، ومقراً لخلافتهم وبسط نفوذهم في الشرق، وظلت مصر على هذه الحال، إلى أن ولاها محمد بن طغج الإخشيد، فدخلت في عهده في طور جديد من التقدم والإصلاح.