صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/174

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
۱۷۳

وفي عهد كافور حاول المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين العودة لغزو مصر، وسار بجيشه إلى حدود هذه البلاد الغربية، ووصل إلى الواحات. فجهـز إليه كافور جيشاً أوقف تقدمه وطرده، ولكنه تلقى بالقبول الدعاة الفاطميين الذيـن قدموا عليه من قبل المعز يدعونه إلى طاعته والاعتراف بسيادته، ووعد كثير من رجال بلاط وكبار موظفي دولته بتقديم الولاء للخليفة الفاطمي.

روی ابو المحاسن عن الذهبي: "وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم، وكانت تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية، وله ندماء، وكان عظيم الحرمة، وله حجاب، وله جوار مغنيات، وله من الغلمان الروم والسود ما يتجـاوز الوصف. زاد ملكه على مولاه الإخشيد. وكان كثير الخلع والهبات، خبيراً بالسياسة فطناً ذكياً، جيد العقل داهية. كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخادع هؤلاء وهؤلاء، وتم له الأمر".

وقد نبغ بمصر في عهد كافور الإخشيد كثير من الفقهاء والأدباء والمؤرخين ومن أشهرهم القاضي أبو بكر بن الحداد، وتلميذه محمد بن موسى المعروف بسيبويه المصري، وأبو عمر الكندي، والحسن بن زولاق.

توفي كافور بمصر في شهر جمادى الأولى سنة ٣٥٧هـ، وعاش بضعاً وستين سنة، وكذلك إمارته على مصر ثلاثاً وعشرين سنة، استقل منها بالملك سنتين وأربعـة شهور، خطب له فيها على منابر مصر والشام والحجاز والثغور، مثل طرسوس والمصيصة وغيرهما، وحمل تابوته إلى القدس فدفن به، وكتب على قبره:

ما بال قبرك يا كافور منفرداً
بالصّحصح المرت بعد العسكر اللّجب
يدوس قبرك آحاد الرجال وقد
كانت أسود الشرى تخشاك في الكتب

ولما توفي كافور، اختار رجال البلاط أبو الفوارس أحمد حفيد الإخشيـد واليا على هذه البلاد، وكان طفلاً لم يبلغ الحادية عشرة من عمره، فعينوا الحسن بن عبيد الله بن طغج - والي الشام - وصياً عليه. غير أنه لم يلبث أن استبد بالأمر وأساء معاملة الأهلين، فسخط عليه المصريون، واضطر أخيراً إلى العودة إلى