وفي حوليات سنة ٢٠٨هـ يذكر لنا ابن عذاري، ثورة الزعيم القيسي عمرو بـن معاوية، الذي كان عاملاً لزيادة الله على منطقة القصرين، فخرج عليه وتغلب على الناحية وكان للقيسي ولدان أحدهما يسمى حباب والآخر سجمان، ويفهم من الروايـة أن ابنه حباب نضحه وقال له: إنك دخلت في أمر عظيم وحرضت نفسك للهلاك، ولست من رجال هذا الأمر، ولا ينفعك عدد ولا عدة.. فما كان من والده إلا أن ضربه مائتي سوط كما تقول الرواية "وتمادى على الخلاف"1.
ولم تستمر ثورة القصرين طويلا إذ قبل القيسي وولداه الاستسلام على الأمـان وذلك عندما أرسل إليهم زيادة الله قواته وجيء بهم إلى زيادة الله الذي أمر بحبسهم في قصر وزيره غلبون حتى يرى فيهم رأيه، وقد ذهب الثلاثة ضحية للأقاويل من جانب وجوه أهل بیت الأمير، فقد ترددت الأقوال بأن الأمير لم يقتص من عمرو بن معاويـة لأنه قيسي وإن العصبية القيسية قوية بمصر حتى خاف زيادة الله أن يثبوا على عمه بمصر إن قتل قائده الخارج عليه، وأثارت تلك الشائعات زيادة الله الذي تخلص من السجناء بطريقة فظيعة2.
ثـورة الطنبـذي:
أدت تلك القسوة التي اتبعها الأمير في التنكيل بالثائر القيسي إلى ثورة كبـرى كادت تعصف بالدولة الأغلبية. وكان قائد تلك الثورة أحد كبار زعماء الجند الأغلبي واسمه منصور بن نصر الطنبذي، الذي خرج على زيادة الله في السنة التالية أي سنـة ۲۰۹هـ / ٨٢٤م. ومنصور هذا كما يقول ابن الأبـار، في ترجمته له في "الحلة السيراء" من قبيلة هوازن، من ولد دريد بن الصمة، ويعرف بالطنبذي نسبة إلـى قصر كان له في قرية طنهذة من إقليم المحمدية بالقرب من تونس3.
وكان منصور عاملا على مدينة طرابلس، فلما وصلته أخبار قتل زيادة الله عمرو بـن معاوية وولديه ثار لأبناء عصبيته وامتعض، ودعا بني تميم في طرابلس إلى مؤازرته للأخذ بالثأر4.