وكان كما تقول الرواية إلى جانب اتصافه بالشجاعة فصيحاً بليغاً، وعندئذ كتب صاحب الخبر (صاحب البريد) إلى زيادة الله بالكلام الذي قاله الطنبذي، فما كـان من الأمير إلا أن عزله، وأمره بالقدوم إليه ثم صفع عنه، وعاد الطنبذي إلى منازلـه بتونس 1.
ولكن الطنبذي لم يخلد إلى الهدوء والسكينة بل أخذ يراسل الجند ويذكر لهم ما يلقوه من زيادة الله وما فعل بعمرو بن معاوية وولديـه2. وعندما تأكد زيادة الله من نوايا الطنبذي حتى أرسل إليه سرية حوالي ثلاثمائة فارس بقيادة محمد بن حمــــــــزة (المعروف بالحرون) نحو تونس لمباغتة منصور، والقبض عليه، والعودة به مصفداً إلى القيروان.
وعندما وصل محمد بن حمزة إلى تونس، لم يجد منصوراً لأنه كان غائباً في قصره بطنبذة. فنزل ابن حمزة دار الصناعة في تونس، وأرسل إلى منصور فاضي تونس شجرة بن عيسى على رأس أربعين شيخاً من شيوخ تونس يقبحون له الخلاف، وينهـونـه عنه ويعرفونه "بما له في ذلك من دينه ودنياه"3.
ونستبين من الروايات أن الطنبذي أراد أن يحتال على قائد الأمير فأظهر للقاضي شجرة ومن معه من الشيوخ أنه لم يخرج على طاعة الأمير، ووعدهم أن يسير معهم إلى محمد بن حمزة في تونس، ومنها إلى الأمير في القيروان ولكنه طلب منه أن يقيموا منه تلك الليلة حتى يقوم بواجب الضيافة أزاءهم. فأقاموا معه، وأرسل الطنبذي إلى ابن حمزة والذين معه من العسكر ببقر وغنم وعلف وغير ذلك من أنـــــــــواع ما يؤكل، وكتب إليه رسالة يقول فيها، إنني قادم إليك مع القاضي والجماعة، فـركـن (أي اطمأن) محمد بن حمزة إلى قول منصور، وذبح البقر والغنم، وأكل هو والنـاس الذين معه وشربوا الخمر. وما أن حل المساء حتى قبض الطنبذي على القاضي ومـن معه، وحبسهم في قصره، وأخذ دوابهم فحمل عليها أصحابه، وجمع خيله وشيعتـه، وزحف إلى تونس، وأمر أصحابه "ألا يسمع لهم حس ولا حركة حتى يصيروا إلى دار الصناعة" وما أن اقترب من دار الصناعة حتى أمر بالطبول، فضربت ، وأمر أصحابـه فكبروا، وانقضوا على ابن حمزة ومن معه. ودارت رحى معركة رهيبة بين الجند مـن