الإيرانية حتى بلاد ما وراء النمرء كانوا منعزلين في هذا المشرق البعيد، مما جعلهم يتميزون عن عرب الأمصار الأخرى بصفات خاصة. ولم يكن المتزوجون منهم قد عبروا الجبال التي تحد إیران، بل كان غير المتزوجين منهم، هم الذين وصلوا الى هنـاك في جماعات، وتزوجوا من نساء أهل البلاد. ويقدر فلبوزن أن الحد الأقصى لعدد هؤلاء كان لا يتجاوز المائتي ألف رجل أبان الثورة العباسية.
وكان الإندماج تاماً بين سكان خراسان حتى يصعب التمييز في كتب التاريخ، إلا بصعوبة، بين العرب الذين انصبغوا بالصبغة الإيرانية وبين أهل البلاد الذيـن دخلوا في الإسلام والذين عرفوا بالموالي وكانوا يحتفظون بذكريات حضارتهم القديمة، وتراث الأسرة السابقة. وكان هؤلاء الموالي يشعرون بالمساواة مع العرب، وسنـرى أنهم عملوا في القرن التالي على أيام العباسيين على إثبات تفوقهم الفكري في كل العلوم التي عرفها العرب.
وكان الخراسانية، منذ العصر الأموي، يحاربون في صفوف الجيش الإسلامي للدفاع عن البلاد عند الترك، وكان جميع أهل الإقليم يعيشون في وئام مع العرب الفاتحين إلى الموالي الذين دخلوا في الإسلام بل وأهل البلاد الذين بقوا علـى ديانتهم المزدكية. وعلى أيام زياد بن أبيه بدأ تهجير أعداد كبيرة من شيعة العلويين من مدينتي العراق الكبيرتين: الكوفة والبصرة، إلى منطقة بلخ في أقصـى خراسان، على حدود ما وراء النهر. واستمرت سياسة نفي العناصر العلوية إلـى المشرق على أيام الحجاج بن يوسف. وفي نفس هذا الوقت أوقفت هجرة أهل الشـام إلى المشرق حيث لم يكونوا يشعرون بالأمن هناك؛ ولاشك أن العلويين وشيعتهم وجدوا في الأقاليم الإيرانية أرضاً صالحة لنشر أفكارهم عن الإمام المنتظر، وهو المهدي، وذلك أن الموالي من الفرس كانوا لا يزالون يشعرون بالحاجة إلى حاكم مطلق يمتلك من الصفات ما هو فوق مستوى البشر بحيث يكون له التحكم في توزيع الأرزاق، فهو الذي ينشر السعادة بين الناس أو التعاسة، وعن طريقه يكون انتشار الخصب فـي الأرض أو القحط.
وكانت العلاقات الوثيقة بين خراسان من جهة وبين البصرة والكوفة، وهما مركز الاضطراب العلوي من جهة أخرى سبباً في أن اعتنق كل أهل إيران الآراء المعاديـــــة