صفحة:مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى.pdf/11

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.


توطئة


منذ اليوم الذي بسط فيه العثمانيون سلطانهم على البلاد العربية، والعلاقات القائمة بين العرب والترك موطدة الأركان ثابتة البنيان، إذ كان العرب قد أفل، وكان الاتراك ينظرون إلى العرب نظرتهم إلى عنصر تجمعهم به رابطة العقيدة الدينية، فلم يثقل حكمهم على العرب.

ودار الزمن دوراته، وتعاقبت الأعوام تباعا، والعلاقات بين العرب والأتراك، تسير في جو هادئ لا تعكرها نمرة جنسية أو نزعة عنصرية، حتى إذا ما تولى السلطنة الخليفة عبد الحميد، تجلت هذه العلاقات واضحة وعلى صورة أقوى و أوثق من ذي قبل، إذ حرص هذا الخليفة في سياسته على خطب ود العرب واستدناهم منه، وتعزيز صلاته بهم، فكان السيد المطاع، والرئيس المرموق.

بيد أن الشعور القومي كان ينبثق مومضا بين الفينة والفينة تحدوه الأمجاد العربية التاريخية. ولكنه كان مقتصرة على طائفة بعينها هي طائفة المثقفين. لذلك لم يتعد هذا الشعور حدوده ولم يتجاوز آفاقهم، بسبب الجهل الذي كان مسيطرا يومذاك على العالم العربي.

غير أن الثقافة القومية الأوروبية ما لبثت أن تغلغلت في الاقطار العثمانية جميعها، وبخاصة ما نجم منها عن الثورة الفرنسية الكبرى، فما كان من الأتراك إلا أن راحوا يتغنون بهذه الثقافة مبشرين مبادئها،

- ٥ -