صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/13

تم التّحقّق من هذه الصفحة.

قال المحدث الشهير أبو حاتم الرازي1 من أعيان القرن الثالث: «إذا كتبتَ فقمش وإذا حدثت ففتش»2 وقد جاء في المحيط قَمَشَ القُماشَ يقمُشُهُ قمشاً جمعه من ههنا وههنا والقماش ما على وجه الأرض من فتات الأشياء وتقمش الرجل أكل ما وجد وإن كان دوناً. فإحياءً لذكر الرازي واعترافاً بجهود المحدثين وفضلهم على علم التاريخ نرى من الواجب أن نسمي أولى خطوات المؤرِّخ المدقق المنقب التقميش فنقول على المؤرخ قبل كل شيء أن يُعنى بتقميش الأصول لأنه إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ معها.

والآن وقد ثبت لدينا وجوب التقميش ننتقل إلى النظر في كميته فنتساءل أيجب أن نجمع كل الأصول أم نكتفي ببعضها؟ وبطبيعة الحال يصبح هذا البعض ما يسهل علينا الوصول إليه — ما قد نجده مثلاً في البلدة التي نقيم فيها أو في أقرب المكاتب إلينا. نتساءل فنجيب إذا كانت غاية المؤرخ الوصول إلى الحقيقة فالحقيقة هي كل الحقيقة لا بعضها وهي وحدة تامة لا تتجزأ.

أوليس مما يثلج الصدر ويبهج النفس أن يكون علماء الحديث قد سبقوا الغرب في هذا أيضًا فنوهوا به. قال الإمام الحافظ مفتي الشام وشيخ الإسلام الشيخ تقي الدين الشهرزوري في مقدمته الشهيرة وبمناسبة الكلام في معرفة آداب طالب الحديث3:

  1. محمد بن إدريس المولود في الري والمتوفي سنة ٢٧٧هـ، صاحب كتاب طبقات التابعين.
  2. مقدمة ابن الصلاح، ص ٢١١
  3. مقدمة ابن الصلاح، ص ٢١٢
- ٣ -