صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/43

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
الفصل الثالث


تحري النص والمجيء باللفظ


وهذه مأثرة أخرى من مآثر علماء الحديث فإنهم قالوا بالأمانة في نقل الحديث وفرضوا وجوب تحرِّي النص لأجل الوقوف على اللفظ الأصلي. ومنهم من أبى أن يُصلح الخطأ أو يقوم اللحن واكتفى بإبداء رأيه على الهامش.

«قال القاضي عياض، في موضوع «تحري الرواية والمجيء باللفظ»، «لا خلاف أن على الجاهل والمبتدئ، ومن لم يمهر في العلم، ولا تقدَّم في معرفة تقديم الألفاظ وترتيب الجمل وفهم المعاني، أن لا يكتب ولا يروي ولا يحكي حديثاً إلا على اللفظ الذي سمعه. وإنه حرام عليه التغيير بغير لفظه المسموع، إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم الجهالة، وتصرُّف على غير حقيقته في أصول الشريعة، والنبي صلى الله عليه وسلم حض على ذلك وأمر بإيراد ما سمع منه كما سمع. ثم اختلف السلف وأرباب الحديث والفقه والأصول، هل يسوغ ذلك (لأهل) العلم فيحدثون على المعنى، أو لا يباح لهم ذلك. فأجازه جمهورهم إذا كان ذلك من مشتغل بالعلم نافذ بوجوه تصرف الألفاظ، والعلم بمعانيها ومقاصدها، جامعاً لمواد المعرفة بذلك. روي عن مالك نحوه. ومنعه آخرون، وشددوا فيه، من المحدثين والفقهاء، ولم يجيزوا ذلك لأحد، ولا سوغوا إلا الإتيان به على اللفظ نفسه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وروي نحوه عن مالك أيضاً. وشدد مالك أيضاً الكراهة فيه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل أئمتنا هذا من مالك على استحباب كما قال، ولا يخالف أحد في هذا. فإن الأولى والمستحب المجيء بنفس اللفظ ما أستطيع»

ومما له علاقة بالموضوع نفسه، ما ورد نقلاً عن هذا الإمام المحدث العظيم، في باب «إصلاح الخطأ وتقويم اللحن» من رسالته الشهيرة المشار إليها — الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع. قال القاضي عياض: «الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية كما وصلت إليهم وسمعوها، لا يغيرونها من كتبهم، حتى اضطردوا ذلك في كلمات من القرآن، استمرت الرواية في الكتب عليها بخلاف التلاوة المجمع عليها، (وذلك) حماية للباب. لكن أهل المعرفة منهم، ينبهون على خطأها عند السماع والقراءة وفي حواشي الكتب، وكان أجرأهُم على هذا من المتأخرين، القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني.

(م٣
- ٣٣ -