صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/44

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

فإنه لكثرة مطالعته، وتفننه في الأدب واللغة وأخبار الناس وأسماء الرجال وأنسابهم، وثقوب فهمه وحدة ذهنه، جسور على الإصلاح كثيراً. وربما نبَّه وصححه على وجه الصواب. لكنه ربما وهم وغلط في أشياء من ذلك، والحكم فيها بما ظهر له، أو بما رآه في حديث آخر، وربما كان الذي أصلحه صواباً، وربما أيضاً غلط فيه وأصلح الصواب بالخطأ … وحماية باب الإصلاح والتغير أولى، لئلا يجسر على ذلك من لا يُحسن، ويتسلط عليه من لا يعلم، وطريق الأشياخ أسلم مع التبيين بذكر اللفظ عند السماع كما وقع، وينبه عليه ويذكر وجه صوابه، إما من جهة العربية أو النقل أو وروده كذلك في حديث آخر»

هذا ما توصل إليه علماء الحديث في القرون الأولى. وهو المعول عليه الآن لدى المؤرخين المعاصرين. والفرق بين الاثنين أن المؤرخين المعاصرين يعممون قول المحدثين على الحديث وغيره من النصوص التاريخية ويندفعون في عملهم بعامل علمي بحت. أما المحدثون فإنهم اقتصروا فيما أوردوه من هذا القبيل على الحديث الشريف واندفعوا في تحري الحقيقة بعاطفة دينية قلما نجد مثلها في هذه الأيام.

بقي علينا بعد هذا الاعتراف بفضل علماء الحديث، أن نطرق الموضوع من ناحيته العلمية الحديثة، فنقول: التاريخ علم في تحريه الحقيقة وكعلم يطلب الحقيقة كما هي، والأصول هي صلة المؤرخ الوحيدة بحوادث الماضي. وإذًا فهدف المؤرخ المنقب أن يتحقق من هذه الصلة ومن حرفية نص الشهادة التي فيها ثم يروي هذه الشهادة كما صدرت عن صاحبها الأصلي متحريًا في ذلك درس ما يمكن أن يكون قد عرض عليها من زيادة أو تحريف أو نقصان.

والأصول التاريخية، من حيث تحرِّي النص والمجيء باللفظ، تكون على وجوه ثلاثة. فإما أن يكون الأصل بذاته أمامنا بخط واضعه أو

- ٣٤ -