صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/53

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

أن يطلعك على مرجع من المراجع التي أخذ عنها وذهبت معه إلى بيته، ودخلت مكتبته، لو فعلت هذا لرأيته يطلب دفتراً قديماً هنا، وهامشاً هناك، وقصائص أوراق دوّن في الواحدة منها معلومات شتى بخط سقيم ممجمج. وقد تبقى في غرفته ساعتين أو أكثر، ثم يقول لك سأبحث عن هذا في جوٍ رائق وأوافيك بالجواب. وقد يجد ما يطلب أو لا يجد. ولست أدري من هذا الذي قال إن مثل هذا مثل قوم قضوا حياتهم كلها في تشييد بناء يحملون حجارته على أكتافهم دون أن يفقهوا أين يضعونها، حتى إذا بلغوا المرحلة الأخيرة في حياتهم نظرت إليهم وإلى ما يفعلون، فلا تسمع سوى ضجة تصم الآذان، ولا ترى سوى سحب من الغبار عقدت سرادقات فوق رؤوسهم تُعمي الأبصار.

ومثل هذا التنسيق أو الترتيب، على تواضع ظاهره، يعد في عرف المؤرخين المدققين، دعامة كبرى في بناء التاريخ. وبفضله وحده يتميز نفر من المؤرخين على سواهم. فيوفرون على أنفسهم أتعاباً جمة. ويصلون من أهدافهم إلى ما لا يصل إليه غيرهم.

وإذا كان لا بد من تنظيم العمل فكيف يكون ذلك؟ وماذا يفعل المؤرخ فورَ انتهائه من نقد الأصول؟ على المؤرخ أن يعترف بادئ بدء أنه ليس بإمكانه أن يعتمد على ذاكرته في العمل، وأن يسلم بوجوب القيد. وهو أمر لا يرتاب فيه عاقل. وقد نطق بصحته فلاسفة علم النفس، وتناصرت عليه حججهم. أوَلم يقل الفقيه اللغوي ابن عباس الكوفي:

- ٤٣ -