صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/8

تم التّحقّق من هذه الصفحة.

وأسلوبها وتربية طلاب العلوم الطبيعية. وأشهر من أقدَم على هذا العمل الشاق وأعرقهم شرفاً العلامة الألماني الأستاذ الدكتور أرنست برنهايهم. فإنه أعدَّ في الثمانين من القرن الماضي مؤلفاً خاصاً لهذه الغاية أبان فيه الخطوات الصائبة التي يجب على المؤرخ أن يخطوها والعقبات التي تعترضه وكيفية تذليلها والمهالك التي قد يقع فيها وكيفية تحاشيها. وأردف كلامه فيها كلها بالأمثلة الدقيقة المفصلة. ثم نشر هذا المؤلف الأول مرة في السنة ١٨٨٩ وأعاد طبعه مراراً. وهو لا يزال حتى يومنا هذا أكمل ما صنف من نوعه. وانبرى بعده المؤرخان الإفرنسيان الكبيران شارل سينيوبوس وشارل لانغلوا فأصدرا في السنة ١٨٩٨ مقدمتهما في الأبحاث التاريخية فجاءت مختصراً دقيقاً مفيداً. أما علماء الإنكليز فإنهم آثروا ولا يزالون التعليم بالأمثلة دون اللجوء إلى كتاب خاص بالقواعد.

ولست أذكر تماماً متى بدأ عهدي بهذا العلم، ولكني أذكر تماماً أني لما عدت من جامعة شيكاغو سنة ١٩٢٣ وباشرت عملي في جامعة بيروت توليت تدريس علم المثودولوجية فيها. وأول ما عملته أني أخذت أجمع أهم المؤلفات التي تدور حوله. فتوفر لدي عدد منها في اللغات الأجنبية. ولكني لم أعثر على شيء في العربية. فصممت آنئذٍ أن أتلافى هذا الفراغ وأكتب شيئاً في هذا الموضوع.

ورأيت أن أتريث في الأمر فأبدأ بتدريس الموضوع بلغة أجنبية ريثما تتوفر لدي الأمثلة التاريخية المحلية والاصطلاحات الفنية العربية. فاضطررت أن أرجع إلى مصطلح الحديث لسببين أولهما الاستعانة باصطلاحات المحدثين والثاني ربط ما أضعه لأول مرة في اللغة العربية بما سبق تأليفه في عصور الأئمة المحدثين.

فأكببت على مطالعة كتب المصطلح. وجمعت أكثرها وكنت كلَّما ازددت اطلاعاً عليها ازداد ولعي بها وإعجابي بواضعيها. ولا أزال أذكر حادثاً وقع لي عام ١٩٣٦ في دمشق يوم احتفلت الحكومة السورية بمرور ألف عام على وفاة المتنبي. فإني كنت من جملة الوافدين إلى عاصمة الأمويين والمحتفلين بذكرى شاعر

- و -