صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/81

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وحفظوه عنه مخافة تجويز النسيان والوهم والغلط على حفظهم. ولا تأثير في الشرع للتجويزات فكيف بما لا يحقق وبُني على الظن وسلامة الظاهر. ولهذا قال مالك رحمه الله فيمن يحدث من الكتاب ولا يحفظ حديثه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. وقد قال مثل هذا جماعة من أئمة الحديث وشدَّدوا في الأخذ»1

وقام في القرن السابع للهجرة الحافظ الفقيه ابن الصلاح الشهرزوري (٦٤٣هـ). ونزل دمشق ودرّس الحديث في المدرسة الأشرفية. فاعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة وجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرَّق في غيره. وعكف الناس عليه وساروا بسيره فنظموا أقواله واختصروها واستدركوا عليها واقتصروا وعارضوا وانتصروا2. إلى أن قام في أيامنا العلَّامة الشيخ راغب الطباخ فعني بمصنف ابن الصلاح ونشره نشراً دقيقاً وعمم فائدته3. فرأينا نحن أن نقتطف من هذا المؤلف جميع ما ورد في معرفة من تقبل روايته ومن ترد.

قال ابن الصلاح: «أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه. وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظاً غير مغفل حافظاً إن حدث من حفظه ضابطاً لكتابه أن حدث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل المعاني والله أعلم. ونوضح هذه الجملة بمسائل.

(الأولى) عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة. فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصاً، وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه


  1. عياض بن عياض: كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص ٥٦-٥٧
  2. ابن حجر العسقلاني: نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (طبعة مصر سنة ١٣٠٨) ص ٣
  3. وكان قد سبقه إلى ذلك العالم المحدث الشيخ عبد الحي الكنوي والسيدان أحمد الجالي وأمين الخانجي.
- ٧١ -