صفحة:مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة).pdf/85

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

ونحوه. غير أن في هذا من حيث العرف خرمًا للمروءة. والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه كمثل ما حدثنيه الشيخ أبو المظفر عن أبيه الحافظ أبي سعيد السمعاني أن أبا الفضل محمد بن ناصر السلامي ذكر أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لأن الشيخ أبا إسحق الشيرازمي أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياليه والله أعلم

(الثالثة عشرة) لا تُقبل رواية من عُرِف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه كمن لا يُبالي بالنوم في مجلس السماع. وكمن يحدث لا من أصل مقابل صحيح ومن هذا القبيل من عرف بقول التلقين في الحديث ولا تقبل روايته من كثرة الشواذ والمناكير في حديثه. جاء عن شعبة أنه قال لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل صحيح وكل هذا يحرم الثقة بالراوي وبضبطه وورد عن ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم أن من غلط في حديث وبين له غلطه فلم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت روايته ولم يكتب عنه وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك والله أعلم

(الرابعة عشرة) أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم. ووجه ذلك ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها. فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده، وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتاً بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى فإنه ذكر فيما روينا عنه توسَّع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يُحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يُقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها. قال البيهقي فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاً بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفاً لنبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم

(الخامسة عشرة) في بيان الألفاظ المستعملة من أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه في الجرح والتعديل فأجاد وأحسن ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكره ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى. أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب الأولى قال ابن أبي حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج بحديثه. قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط والله أعلم. الثانية قال ابن أبي حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية. قلت هذا كما قال لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه وقد تقدَّم بيان طريقه في أول هذا

- ٧٥ -