صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/127

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

ينصبون الميزان راجا لكل سيرة أموية لا يقصدونها بالمحاباة، ولكنهم لا يستطيعون أن يقصدوها بالنقد والملامة؛ لأنهم مصروفون بهواهم عن هذا الطريق.

من هؤلاء أناس في طبقة ابن خلدون، يضع معاوية في ميزانه فيكاد يحسبه بقية الخلفاء الراشدين، ويتمحل المعاذير له في إسناد ولاية العهد إلى ابنه فسوقه وخلل سياسته، وكراهة الناس لحكمه حتى من أبناء قومه.

ولا يهولن قارئ التاريخ اسم ابن خلدون فيذكره، وينسى الحقائق البديهية التي لا تكلفة أكثر من نظرة مستقيمة إلى الواقع الميسر لكل ناظر في تواريخ الخلفاء الراشدين وتاريخ معاوية

فما في وسع ابن خلدون أن يخرج من هذه التواريخ بمشابهة بعيدة تجمع بين معاوية والصديق والفاروق وعثمان وعلي في مسلك من مسالك الدين أو الدنيا، وفي حالة من أحوال الحكم أو المعيشة، وإنه لفي وسع كل قارئ أن يجد المشابهات الكثيرة، التي تجمع بين معاوية ومروان وعبد الملك وسليمان وهشام، فلا يفترقون فيها إلا بالدرجة والمقدار، أو بالتقديم والتأخير، وإذا كان هذا شأن ابن خلدون، فقل ما شئت في سائر المؤرخين وسائر المستمعين للتواريخ، من مشارقة شهدوا زمان الدولة ومشارقة لم يشهدوه، ومن مغاربة عاشوا في ظل تلك الدولة، وتعلقت أقدارهم بأقدارها، وأيقنوا أنهم لا ينقصون منها شيئا ثم يستطيعون تعويضه من الأندلس بما يغنيهم عنه، وما زال العهد بالمنبت عن أرومته أن يلصق بها أشد من لصوق القائمين عليها.

إذا روجعت تلك الحقائق في ميزان التاريخ فقد ذهب من الكفة كل ما زيد عليها في إبان الدولة، وكل ما علق بها من تواطؤ الزمن وتكرار العادة، وكسل السامع من مشقة المراجعة، وانتزاع الفكر مما ألفه ولم يألف سواه ... لقد تمهدت لمعاوية أسباب لم تتمهد في عصره لأحد غيره من قبل الإسلام، وفي صدر الإسلام، إلى أيام عثمان. ولم يكن مفرطا أو عاجرا؛ فلم يضيع ما تمهد له بعجلة لا تؤمن عاقبتها، أو بتقصير عن الفرصة في أوانها، وكان له دهاء وحلم، وكان فيه طموح واعتداد بالنفس وسمة من سمات الرئاسة

وكان له من كل أولئك قدره الذي أعانه على مقصده كما أعين بغيره، فكان في يديه من المال والجند وسلطان الولاية ما لم يكن في يدي أحلى من نظرائه ومنازعيه، ولولا ذلك لما أفاده دهاؤه مع أعوانه من الدهاة؛ لأنه لم يغلبهم بعقل غالب، ولم يصرفهم عن مقصدهم إلى مقصده، بل خدمهم وخدموه، ولو لم يكن عنده ما يطلبونه لخدموا غيره أو نازعوه على سواء، وربما نازعه بعضهم على رجحان.

{smallrefs}}

126