صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/50

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الدهاء

وكم من فتى نبهته بعد هجعة بقرع لجام وهو أكتع ناعش وما يستوي الصفان صف الخالد وصف عليه من دمشق البران۲۹ ۲ وقد ذكروا أن خالد بن عبد الرحمن بن خالد قدم المدينة، فقال عروة بن الزبير: «ما فعل أبن أثال؟ فسكت: ثم رجع إلى حمص، فثار على ابن آثال فقتله، فقال: «قد كفيتك إياه، ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة، ومحمد بن مسلمة في قول» .» وشاعت الشوائع بمثل ذلك عن آخرين من أعداء معاوية ومنافسيه، يملي للناس في تصديقها أن هؤلاء الأعداء ماتوا بغير علة موصوفة في الموعد الذي يبغيه معاوية، وتترتب عليه سياسته التي كان يرجئها إلى مواعدها ... فالحسن يموت قبل بيعة يزيد؛ كي لا يخرج معاوية على شرطه المكتوب للحسن، ومالك بن الأشتر يموت على أبواب مصر، وعبد الرحمن بن خالد يموت وهو في أوج سمعته بين قوم أعجبوا من قبله بأبيه، ويوشك أن يتجمع حوله الناقمون من أهل الشام وأهل الكوفة والحجاز وكله مما يذكر ولا يعجل بنفيه، ولكنه لا يقوم عليه دليل قاطع، وأضعف ما في هذه الروايات تكرار المكافأة بإسقاط الخراج، وهي مكافأة لا توافق جنايات الغدر والغيلة، لأنها تتجدد في كل موعد خراج، ولا يزال السؤال عن سبب إسقاطه متجددا بين العمال وأصحاب الأمر، حتى تنكشفي المكيدة كلها مع الأيام، وما كان معاوية بعاجز عن المكافأة على دس السم للأعداء ببذل المال المعجل والمؤجل في الخفاء، فلا يسع المؤرخ أن يقبل هذه التهم جازما ولا أن يرفضها جازما، ولكن الشبهات والأقاويل وحدها تحدثنا بالشيء الكثير عن ظنون الناس بمعاوية، ووسائله إلى قضاء ما يبغيه. ونحسب في هذا الفصل قد ألهمنا بأفانين الدهاء التي تسبت إلى رأس الدولة الأموية، ويتبين منها جميعا أن دهاءه من قبيل الدهاء الذي يعول على قضاء المصالح وتبادل المنافع، ويتساوى فيه دهاء الطرفين أو يكون الرجحان من قبل الطرف الآخر، فليس دهاء معاوية من قبيل ذلك الدهاء الذي يسوق الأعوان سوقا إلى خدمة مقاصده بسلطان ۲۸ أكتع: الأكتع من رجعت أصابعه إلى كفه.

۲۹ البرانس: البرنس بضم الباء والنون: رداء خافي يلبسه المسافر أيام الصيف يتقي به الغبار.

49