صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/57

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

حين كان معاوية يقول: إذا لم يكن الأموي حليما، فقد فارق أصله وخالف آباءه . وكان يقول: «يا بني أمية؛ فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن أستنجدته أنجدني وأثور به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرماء» وكان المتقربون إليه يذكرونه حلم أبي سفيان إذا أنكروا منه سورة النقمة والغضب، وقيل له بعد مقتل حجر بن عدي: أين غاب عنكم حلم أبي سفيان؟ فكان يقول: حيث غاب عني حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت، وقال للسيدة عائشة مثل هذا السؤال: لم يكن معي رشيد ولا شك أن معاوية قد أقام فخره بالحلم على سمعة قديمة في بيته بين بيوت بني أمية؛ لأن هذا الفخر لا يخلق بين يوم وليلة في البلاد العربية، التي تذكر وراثاتها وتعيدها ولا تخاطب بها من يجهلها، ومن المشهور أن حرب بن أمية أصلح بين قريش وهوازن في حرب الفجار الثانية بعد اقتتال يسير، وأن أبنه سفيان كان يتأني، ولا يتهجم في خصومات الجاهلية وخصومات الإسلام، ولا يمتنع مع هذا كله أن يكون الفخر بالحلم من دعايته السياسية عند تأسيس الدولة، والحاجة إليه في المفاضلة بين المتنازعين بمناقب الحكم والرئاسة، وقد سكت عنه الأمويون على عهد الفرع الآخر منهم وهو فرع المروانية؛ لأنهم لم يحتاجوا إليه في منازعاتهم، بل كان منهم من يفخر بالفتك، ويسرع إلى الغضب ويرهب المخالفين له بسرعة البادرة إليه. والوقائع بعد أصدق من إطراء المادح وغمز القادح، فإنها قد تمتزج بالكذب عمدا أو على غير عمد، ولكنها في كثير من الأحوال تنقض كلام قائلها إذا عرضت على التمحيص والتحليل، فيسوقها للمدح وهي منطوية على دخيلة تبطل مديحه المقصود، أو يسوقها للقدح وما تنطوي عليه آية من آيات الثناء والمديح. والوقائع التي رويت عن حلم معاوية متواترة متكررة، تتفق فيها الكلمات أحيانا ويختلف فيها القائلون والرواة، أو يتفق فيها هؤلاء جميعا بغير اختلاف كبير، وهكذا معظم الوقائع التي رويت عن أعلام ذلك الجيل وما بعده، فلا بد فيها من حساب للمبالغة، وحساب للترجيح والتصحيح بالمقارنة والمضاهاة.2

  • التمحيص: محص فلان الشيء: خلصه من كل عيب.
المضاهاة: الموازنة والمقارنة.
56