معاوية بن أبي سفيان وافتراسه، ولعله لو وقف أمامه رابط الجأش من مبدأ الأمر لم تتنبه فيه حركة الهجوم، فحركة المطاردة، فحركة اللحاق والافتراس، وعرف صالة الأسود أخطر السباع - أنها تتردد إذا واجهها الإنسان ثابت النظر، راسخ القدمين. وهي وقد دخل حجر على معاوية، ومعاوية ينتظر منه صدمة يتبعها حذر فانتباه لواجب الحلم والأناة، فلما دخل حجر محيا له بالإمارة وزال الحاجز الأول؛ زالت معه الحواجز الأخريات، ولم يعلم الرجل أين يكون الوقوف ... ونظن أن هذه الخليقة قد أوشكت أن تبرز في طوية معاوية من وعيه الباطن إلى وعية الظاهر، ومن ذاك قوله: «إذا شد الناس شعرة أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها،» أو قوله: «إذا طرتم وقعنا، وإذا وقعتم طرنا.» أو قوله لزياد: «كن أنت للش ولأكن أنا (. اللين.» فهو يتلقى وحي وطبيعته من الصدمة التي تلقاه، فإن لم تكن صدمة فهناك الحيرة التي لا تخرجه منها طبيعة تلوذ بالغضب على قدرة، فلا تقف حيث ينبغي لها الوقوف، ولو كان للغضب عنده أثره المطبوع لانتظر الناس حلمه حيث يغضبون، وانتظروا غضبه حيث يحلمون، وكثير من أمثال هذه الخليقة تلقاه بيننا كل يوم، فيقول القائل عن الرجل من أصحابها لو أنك شددت عليه الأرضاك وحمدت أثر الشدة عليه؟ ويستدعينا ختام هذا الفصل تفرقة أخرى كالتفرقة بين الحلم وامتناع الغضب، وهي التفرقة بين الطموح إلى الزعامة والصولة، والطموح إلى الشرق الاجتماعي والوجاهة السياسية. فالطموح إلى الزعامة والصولة مزاج حيوي يدخل في تركيب البنية، ويدفع صاحبه كما تدفعه وظائف الجسد، فلا يستريح أو يقود الأمم قيادة الزعامة، ويصول بعظمة الرئاسة والعلو على الأقران والأتباع. والطموح إلى الشرق الاجتماعي تقليد من تقاليد المجتمع يحرص عليه من توارثوه حرصهم على الحطام، وبسطة العيش ووجاهة الأسرة والبيت، ويغلب عليه أن يكون تراثا متخلفا من الآباء للأبناء يغض من الأبناء أن يتخلوا عنه، ويروا غيرهم في مكانه. ولا يلزم من الطموح إلى الشرق الاجتماعي أن يكون صاحبه مطبوعا على الصولة والعلو، وطلب الطاعة والخضوع، وقد يلجأ صاحبه إلى المداورة واللين والخضوع لهذا والمصانعة لذاك؛ ليحتفظ بالتراث الذي صار إليه أو أن پرجو يصير إليه.
صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/75
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان
74