صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/10

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فالذكور من جميع الحيوان قد أعطيت القدرة – بتركيبها الجسدي – على إكراه الإناث لاستجابة مطالب النوع طائعات أو مقسورات.

ولا يتأتى ذلك للإناث على حال من الحالات الجسدية، فغاية ما عندهن من وسيلة أن يـهـجـن الرغبة في الذكور، وأن يـجـعـلـنـهـم يـريـدون ولا يستطيعون الامتناع عن الإرادة.

فهذا الفارق ملحوظ في أعمق أعماق التركيب الجسدي من كلا الجنسين، منذ نشأ الفارق بين ذكر وأنثى في عالم الحيوان.

وحكمته ظاهرة كل الظهور؛ لأنها هي الحكمة التي توافق بقاء النوع وارتقاء الأفراد جيلا بعد جيل.

فالإغواء كاف للأنثى ولا حاجة بها إلى الإرادة القاسرة.

بل من العبث تزويدها بالإرادة التي تغلب بها الذكور عنوة؛ لأنها متى حملت كانت هذه الإرادة مضيعة طوال مدة الحمل بغير جدوى.

عل حين أن الذكور قادرون إذا أدوا مطلب النوع مرة أن يؤدوه مرات بلا عائق من التركيب والتكوين، وليس هذا في حالة الأنثى بميسور على وجه من الوجوه. وإكراه الأنثى على تلبية إرادة الذكر لا يضير النوع ولا يؤذي النسل الذي ينشأ من ذكر قادر على الإكراه وأنثى مزودة بفتنة الإغواء، فهنا تتم للزوجين أحسن الصفات الصالحة لإنجاز النسل من قوة الأبوة وجمال الأمومة، ويتم للنوع مقصد الطبيعة من غلبة الأقوياء الأصحاء القادرين على ضمان نسلهم في ميدان التنافس والبقاء.

وعلى نقيض ذلك لو أعطيت الأنثى القدرة على الإرادة والإكراه لكان من جراء ذلك أن يضمحل النوع ويضار النسل؛ لأنه قد ينشأ في هذه الحالة من أضعف الذكور الذين ينهزمون للإناث.

وكيفما نظرنا إلى مصلحة النوع وجدنا من الخير له أبدا أن يتكفل الذكور بالإرادة والقوة، وأن تتكفل الإناث بالإغواء والتلبية، بل وجدنا أن فوارق البنية قد جعلت السرور في كل من الجنسين قائما على هذا الأساس العميق في الطباع. فلا سرور للرجل في إكراهه على مطلب النوع، بل هو منغص له مضعف من لذة حسه. أما المرأة فقد يكون استسلامها لغلبة الرجل عليها باعثا من أكبر بواعث سرورها، ولعله أن يكون مطلوبا لذاته كأنه غرض مقصود. بل هو في الواقع