صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/12

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وهذه الصفات الجنسية هي التي تعنينا في هذا المقام، لأنها التراث المشترك بين جميع بنات حواء في مواجهة الجنس الآخر... وهو جنس الرجال.

فالذي يساعد المرأة من قبل الطبيعة على إغراء الرجل هو «الهوى الجنسي» في تركيب الرجل نفسه... فلولا هذا الهوى لكانت حيلتها معه من أضعف الحيل وسلطانها عليه كأهون سلطان.

ومما يرينا أن الطبيعة هي العاملة هنا وليست المرأة ، هي التي تعمل بقدرتها واحتيالها أن هـواهـا في نفس الرجـل شبيه بكل هـوى ينمو فيـه بـحـكم العـادة أو الفطرة . فهو يعاني مقاومة التدخين أو معاقرة الخمر عناء يجهده ويغلبه على مشيئته في كثير من الأحيان، ولو كان للتبغ أو للخمر لسان يتكلم لجاز أن يتحدث الناس عن لسانهما المعسول الذي يخلب العقول، وعن حيلتهما النافذة التي تسلب الرشاد.

والأداة البالغة من أدوات الإغواء والإغراء هي قدرة المرأة على الرياء والتظاهر بغير ما تخفيه.

فهذه الخصلة قد تسمو فيها حتى تبلغ رتبة الصبر الجميل والقدرة على ضبط الشعور ومغالبة الأهواء، وقد تسفل حتى تعافها النفوس كما تعاف أقبح الختل والنفاق.

أعانتها عليها روافد شتى من صميم طبيعة الأنوثة التي يوشك أن يشترك فيها جميع الأحياء.

فمن أسباب هذه القدرة على الرياء أو هذه القدرة على ضبط الشعور أن المرأة قد ريضت زمنا على إخفاء حبها وبغضها لأنها تخفي الحب أنفة من المفاتحة به والسبق إليه وهي التي خلقت لتتمنع وهي راغبة، وتخفى البغض لأنها محتاجة إلى المداراة كاحتياج كل ضعيف إلى مداراة الأقوياء . ومن أسباب القدرة على الرياء أو القدرة على ضبط الشعور أن الأنوثة «سلبية» في موقف الانتظـار، فليس من شأن رغباتها أن تسرع إلى الظهـور والتعبير، أو ليس من شأنها أن تفلح بالظهور والتعبير كما تفلح رغبات الذكور.

ومن أسباب القدرة على الرياء أو القدرة على ضبط الشعور أن مغالبة الآلام قد عودتها مغالبة الخوالج النفسية ما دامت في غنى عن مطاوعتها والكشف عنها. ومنها أن اصطناع الزينة الذي استقر في خليقتها إنما هو في لبابه اصطناع ۱۲