صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/16

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فالحرية بغير أوزان وبغير قوانين هي الفوضى بعينها، أو هي ليست بحرية على الإطلاق، لأن الحر هو صاحب الاختيار أو صاحب المشيئة أو صاحب الغاية.

وليس للفوضى غاية، وليس للمرء فيها اختيار ولا مشيئة.

وإنما يتبين لك مقدار حريتك إذا عملت بين الأوزان والقوانين.. فاللاعب الماهر صاحب مشيئة وصاحب قدرة إذا سار على الحبل الممدود واستطاع المسير في خفة وطلاقة، والشاعر صاحب مشيئة وصاحب قدرة إذا عبر عن معناه في الأوزان والألحان، واستطاع مع ذلك أن يقول ما يريد.

لأن الأوزان والقوانين هنا هي معيار حريته الذي يبين لنا ما عنده من قدرة وحرية في الحركة.

وهذا هو الفرق بين القيود الذميمة والأوزان المستحبة: القيود تقضى على الحرية، والأوزان تبرزها في صورتها التي تعزز المشيئة والاختيار.

وهذا أيضا هو الفرق بين الحرية والفوضى؛ لأن الفوضى حركة لا غاية لها ولا مشيئة، ومن ثم لا حرية لها ولا معنى.

ولا تعريف - من ثم – للجمال أقرب من تعريفه بأنه هو كل ما يملى للنفس في الشعور بالحرية الموزونة، وكل ما يجنبها الشعور بـالـفـوضى أو الشعور بالامتناع والتقييد.

☆☆☆

قيل: إن الجمال هو التناسب، وهو قول صحيح ولكنه يحتاج إلى قول صحيح آخر يتمه وينتقل به خطوة أخرى إلى طريق الصواب.

فـالـجـمـال يـوجـد مـع الـتـنـاسـب كـمـا يـوجد في غير الـتـنـاسب، والجامع بين الجمالين هو حرية الحركة في كلتا الحالتين.

لا تناسب في كلب الصيد الأعجف المعقوف الهزيل، ولكنه يعطينا الحركة الخفيفة الموزونة في تركيبه هذا فهو جميل.

ولا تناسب في شكل الزرافة بالقياس إلى غيرها من الحيوان... ولكنك إذا تصـورتـهـا كـالحصان أو كالأسد تصورت عائقا لها عن تدبير أمـرهـا وتـنـاول طعامها من فوق رأسها ومن تحت قدميها. وهذا العائق يناقض شعور الجمال..

فإذا زال لم يكن بينك وبين الشعور بجمال الزرافة عائق من المقابلة بين شكلها وأشكال غيرها من الحيوان.